(وَالإِسْلامُ هُوَ الدِّينُ الَّذِى رَضِيَهُ اللَّهُ) Sirat 8

     (وَالإِسْلامُ هُوَ الدِّينُ الَّذِى رَضِيَهُ اللَّهُ) أَىْ أَحَبَّهُ اللَّهُ (لِعِبَادِهِ وَأَمَرَنَا بِاتِّبَاعِهِ) قَالَ تَعَالَى ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ﴾ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَعْتَقِدَ مَا يَشَاءُ إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَ قُلُوبَ الْكُفَّارِ عَلَى الإِيمَانِ إِنَّمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَ ظَوَاهِرَهُمْ أَىْ أَنْ تُجْبِرَهُمْ بِقُوَّةِ السِّلاحِ عَلَى النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ الآيَةُ ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى مَعْنَى التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَلَيْسَ فِيهَا تَخْيِيرٌ لِلإِنْسَانِ بَيْنَ أَنْ يُؤْمِنَ أَوْ يَكْفُرَ وَسِيَاقُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُتَوَاتِرٌ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ. (وَلا) يَجُوزُ أَنْ (يُسَمَّى اللَّهُ مُسْلِمًا كَمَا تَلَفَّظَ بِهِ بَعْضُ الْجُهَّالِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَعْنَاهُ الْمُنْقَادُ وَاللَّهُ لا يَنْقَادُ لِغَيْرِهِ بَلْ غَيْرُهُ يَنْقَادُ لَهُ أَىْ أَنَّ الْمُسْلِمَ مُنْقَادٌ لِأَوَامِرِ اللَّهِ بِالإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ الَّذِى أَرْسَلَهُ أَمَّا اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ الآمِرُ النَّاهِى الَّذِى لا ءَامِرَ لَهُ وَلا نَاهٍ فَلا يَنْقَادُ لِأَحَدٍ بَلْ يَفْعَلُ فِى مُلْكِهِ مَا يُرِيدُ وَيَحْكُمُ فِى خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ أَىْ يَفْرِضُ مَا يَشَاءُ وَيُحَرِّمُ مَا يَشَاءُ فَلَيْسَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى مُسْلِمٌ بَلِ اسْمُهُ السَّلامُ أَىِ السَّالِمُ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ. وَلا يَجُوزُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ إِلَّا بِمَا جَاءَ فِى الْقُرْءَانِ أَوِ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَوْ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ.    

     (فَقَدِيمًا كَانَ الْبَشَرُ جَمِيعُهُمْ) فِى زَمَنِ ءَادَمَ وَشِيثٍ وَإِدْرِيسَ (عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ هُوَ الإِسْلامُ) لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ كَافِرٌ قَالَ تَعَالَى ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَّاحِدَةً﴾ أَىْ كَانُوا عَلَى الإِسْلامِ (وَإِنَّمَا حَدَثَ الشِّرْكُ وَالْكُفْرُ بِاللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ) وَفَاةِ (النَّبِىِّ إِدْرِيسَ) أَىْ بَعْدَ وَفَاةِ ءَادَمَ بِأَلْفِ سَنَةٍ وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ عَلَى الْكُفْرِ زَمَانًا إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ سَيِّدَنَا نُوحًا (فَكَانَ نُوحٌ) عَلَيْهِ السَّلامُ (أَوَّلَ نَبِىٍّ أُرْسِلَ إِلَى الْكُفَّارِ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ الْوَاحِدِ الَّذِى لا شَرِيكَ لَهُ) أَمَّا أَوَّلُ الأَنْبِيَاءِ عَلَى الإِطْلاقِ فَهُوَ سَيِّدُنَا ءَادَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ أَىِ اخْتَارَ ءَادَمَ لِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ. وَيَشْهَدُ لِنُبُوَّتِهِ حَدِيثُ التِّرْمِذِىِّ ءَادَمُ فَمَنْ سِوَاهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ لِوَائِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نُبُوَّتِهِ فَمَنْ نَفَى نُبُوَّتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ بِالإِجْمَاعِ. (وَقَدْ حَذَّرَ اللَّهُ) أُمَمَ (جَمِيعِ الرُّسُل ِمِنْ بَعْدِهِ) أَىْ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ (مِنَ الشِّرْكِ فَقَامَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ ﷺ بِتَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ) أَىْ دَعْوَةِ الأَنْبِيَاءِ (إِلَى الإِسْلامِ بَعْدَ أَنِ انْقَطَعَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فِى الأَرْضِ) أَىْ لَمَّا نَزَلَ الْوَحْىُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْبَشَرِ عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ غَيْرُهُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الأَنْعَامِ ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ ومَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (مُؤَيَّدًا بِالْمُعْجِزَاتِ الدَّالَةِ عَلَى نُبُوَّتِهِ فَدَخَلَ الْبَعْضُ فِى الإِسْلامِ) كَالْجَعْدِ بنِ قَيْسٍ الْمُرَادِىِّ الَّذِى أَسْلَمَ بِسَبَبِ مَا سَمِعَهُ مِنْ جِنِّىٍّ مُسْلِمٍ مِنْ أَتْبَاعِ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَإِخْبَارِهِ لَهُ بِظُهُورِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وَأَنَّهُ قَدْ بُعِثَ فَلَّمَا وَصَلَ إِلَى مَكَّةَ سَأَلَ أَهْلَهَا عَنْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ فَاجْتَمَعَ بِهِ وَءَامَنَ بِهِ وَأَسْلَمَ (وَجَحَدَ بِنُبُوَّتِهِ) أَىْ أَنْكَرَهَا (أَهْلُ الضَّلالِ الَّذِينَ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ مُشْرِكًا قَبْلًا كَفِرْقَةٍ مِنَ الْيَهُودِ عَبَدَتْ عُزَيْرًا) وَهُوَ رَجُلٌ مِنَ الصَّالِحِينَ تَلا التَّوْرَاةَ مِنْ حِفْظِهِ بَعْدَ أَنْ تَلِفَتْ نُسَخُهَا فَقَالَ بَعْضُ بَنِى إِسْرَائِيلَ هَذَا ابْنُ اللَّهِ فَكَفَرُوا ثُمَّ كَذَّبُوا عِيسَى وَمُحَمَّدًا (فَازْدَادُوا كُفْرًا إِلَى كُفْرِهِمْ وَءَامَنَ بِهِ) أَىْ بِمُحَمَّدٍ (بَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَعَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلامٍ عَالِمِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ) وَهُوَ مِنَ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ سَأَلَ النَّبِىَّ ﷺ عَنْ أُمُورٍ لا يَعْرِفُهَا إِلَّا نَبِىٌّ فَأَجَابَهُ عَنْهَا بِالْوَحْىِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَلامٍ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ (وَ)كَذَا ءَامَنَ بِهِ (أَصْحَمَةُ النَّجَاشِىُّ مَلِكُ الْحَبَشَةِ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ) أَسْلَمَ وَ(اتَّبَعَ الرَّسُولَ اتِّبَاعًا كَامِلًا) فَصَارَ وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ (وَمَاتَ) فِى الْحَبَشَةِ (فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَصَلَّى عَلَيْهِ الرَّسُولُ صَلاةَ الْغَائِبِ يَوْمَ مَاتَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِمَوْتِهِ) فَقَالَ الرَّسُولُ ﷺ مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ (ثُمَّ كَانَ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ فِى اللَّيَالِى نُورٌ) كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا (وَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا كَامِلًا وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ).

     (وَالْمَبْدَأُ) أَىِ الأَسَاسُ (الإِسْلامِىُّ الْجَامِعُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلامِ) مِنْ لَدُنْ ءَادَمَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ هُوَ (عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ) وَأَنْ لا يُشْرَكَ بِهِ شَىْءٌ وَإِيمَانُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِنَبِىِّ عَصْرِهِ.