10 بُغْيَةُ الطَّالِبِ لِمَعْرِفَةِ الْعِلْمِ الدِّينِيِّ الْوَاجِبِ – الطَّبْعَةُ الثَّامِنَةُ

فَصْلٌ

قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَشُرِطَ مَعَ مَا مَرَّ لِقَبُولِهَا عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَقْصِدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ وَحْدَهُ وَأَنْ يَكُونَ مَأْكَلُهُ وَمَلْبُوسُهُ وَمُصَلَّاهُ حَلالًا، وَأَنْ يَخْشَعَ لِلَّهِ قَلْبُهُ فِيهَا وَلَوْ لَحْظَةً فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ صَحَّتْ صَلاتُهُ بِلا ثَوَابٍ.

الشَّرْحُ هَذَا بَيَانٌ لِشُرُوطِ الْقَبُولِ وَهِيَ غَيْرُ شُرُوطِ الصِّحَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا قَبْلُ لِأَنَّ تِلْكَ لا تَصِحُّ الصَّلاةُ بِدُونِهَا، وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَهِيَ شَرَائِطُ لِنَيْلِ الثَّوَابِ فَلَوْ لَمْ تَحْصُلْ صَحَّتْ صَلاتُهُ لَكِنْ بِلا ثَوَابٍ وَهِيَ:

الإِخْلاصُ لِلَّهِ تَعَالَى أَيْ أَنْ يَقْصِدَ بِصَلاتِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ لا أَنْ يَمْدَحَهُ النَّاسُ وَيُثْنُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِنْ قَصَدَ مَدْحَ النَّاسِ لَهُ أَوْ قَصَدَ مَعَ طَلَبِ الأَجْرِ مَدْحَ النَّاسِ لَهُ فَلا ثَوَابَ لَهُ وَعَلَيْهِ إِثْمٌ.

وَأَنْ يَكُونَ مَأْكَلُهُ وَمَلْبُوسُهُ وَمَكَانُ صَلاتِهِ حَلالًا فَمَنْ كَانَ مَأْكَلُهُ أَوْ مَلْبُوسُهُ أَوْ مَكَانُ صَلاتِهِ حَرَامًا فَإِنَّهُ لا ثَوَابَ لَهُ مَعَ كَوْنِهَا صَحِيحَةً أَيْ مُجْزِئَةً.

وَمِنْ ذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمُسْتَعْصِي فِي الْمَسْكَنِ بِدُونِ رِضَا الْمَالِكِ وَقَدْ كَانَ انْتَهَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي أُجْرِيَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهَا ثُمَّ مَكَثَ فِي الْمَكَانِ وَالْمَالِكُ لا يَرْضَى بِمُكْثِهِ إِلَّا أَنْ يَزِيدَ فِي الأُجْرَةِ أَوْ لا يَرْضَى إِلَّا بِخُرُوجِهِ فَإِنَّهُ إِذَا اسْتَعْصَى وَمَكَثَ فِي الْمَكَانِ فَإِنَّ صَلاتَهُ فِيهِ لا ثَوَابَ فِيهَا لِأَنَّ هَذَا فِي حُكْمِ الصَّلاةِ فِي الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ، أَمَّا مَا لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْمُسْتَأْجِرُ مَعَ الْمُؤْجِرِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ فَإِذَا تَغَيَّرَتْ نِيَّةُ الْمُؤْجِرِ بِأَنْ نَدِمَ لِأَنَّهُ ءَاجَرَهُ بِأُجْرَةٍ خَفِيفَةٍ فَلا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَسْتَحِقُّ إِتْمَامَ الْمُدَّةِ الَّتِي جَرَى الِاتِّفَاقُ عَلَيْهَا بِالإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ شَرْعًا. فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ الْبُيُوتَ بِغَيْرِ رِضَا الْمُلَّاكِ الْمُؤْجِرِينَ إِمَّا لِعَدَمِ دَفْعِهِمُ الأُجْرَةَ الَّتِي تُرْضِيهِمْ أَوْ لِكَوْنِهِمْ أَيِ الْمُلَّاكِ يُرِيدُونَ خُرُوجَ الْمُسْتَأْجِرِينَ فَيَسْتَعْصُونَ اعْتِمَادًا عَلَى حُكْمِ الْقَانُونِ الْمُخَالِفِ لِشَرِيعَةِ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ [فِي سُنَنِهِ] مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ.

وَإِحْضَارُ الْقَلْبِ أَيْ أَنْ يَخْشَعَ لِلَّهِ وَلَوْ لَحْظَةً، فَمَنْ لَمْ يَخْشَعْ لِلَّهِ لَحْظَةً فِي صَلاتِهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا بِلا ثَوَابٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [سُورَةَ الْمُؤْمِنُون].

وَالْخُشُوعُ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ بِالأَسْبَابِ عَلَى حَسَبِ مَشِيئَةِ اللَّهِ. وَمِنْ هَذِهِ الأَسْبَابِ الإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَلا سِيَّمَا عِنْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلاةِ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ «لَعَلَّ هَذِهِ الصَّلاةَ ءَاخِرُ صَلاتِي» أَيْ لَعَلِّي لا أَعِيشُ بَعْدَهَا فَيَصِيرُ فِي قَلْبِهِ خَوْفٌ مِنَ اللَّهِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتِ» أَيْ قَاطِعِ اللَّذَّاتِ.
وَمَعْنَى الْخُشُوعِ هُوَ اسْتِشْعَارُ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ [وَالْمَقْصُودُ خَوْفُ الإِجْلالِ وَالتَّعْظِيمِ، أَمَّا مُجَرَّدُ اسْتِحْضَارِ الْخَوْفِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِي الْقَلْبِ وَهُوَ يُصَلِّي فَلا يُسَمَّى خُشُوعًا لِأَنَّ الْخُشُوعَ لِلَّهِ لَيْسَ الْخَوْفَ مِنَ النَّارِ] أَوِ اسْتِشْعَارُ مَحَبَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ.

أَرْكَانُ الصَّلاةِ

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ: أَرْكَانُ الصَّلاةِ سَبْعَةَ عَشَرَ.

   الشَّرْحُ هَذَا بِعَدِّ الطُّمَأْنِينَةِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ مِنْ مَحَالِّهَا الأَرْبَعَةِ رُكْنًا، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ الطُّمَأْنِينَةَ تَابِعَةً لِلرُّكْنِ فَيَعُدُّ الأَرْكَانَ ثَلاثةَ عَشَرَ، وَبَعْضُهُمْ يَعُدُّهَا فِي مَحَالِهَا الأَرْبَعَةِ رُكْنًا وَاحِدًا فَيَعُدُّ الأَرْكَانَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الأَوَّلُ النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ لِلْفِعْلِ وَيُعَيِّنُ ذَاتَ السَّبَبِ أَوِ الْوَقْتِ وَيَنْوِي الْفَرْضِيَّةَ فِي الْفَرْضِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ النِّيَّةَ هِيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاةِ وَهِيَ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ فَالنُّطْقُ بِهَا بِاللِّسَانِ لَيْسَ بِفَرْضٍ، فَلَوْ تَرَكَ قَوْلَ نَوَيْتُ أَنْ أُصَلِّيَ الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ مَثَلًا وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَكَبَّرَ وَنَوَى فِي التَّكْبِيرِ هَذِهِ النِّيَّةَ صَحَّتْ صَلاتُهُ، وَأَمَّا إِذَا نَوَى بِالْقَلْبِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فِي التَّكْبِيرِ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَلِكَ لا تَصِحُّ إِنْ تَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ بِاللِّسَانِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَغَفَلَ عَنْهَا فِي قَلْبِهِ مَعَهُ.

   فَالأَمْرُ الضَّرُورِيُّ فِي النِّيَّةِ هُوَ أَنْ يَقْصِدَ فِعْلَ الصَّلاةِ فِي التَّكْبِيرِ، وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُعَيِّنَ الصَّلاةَ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ كَالْخُسُوفِ وَالصَّلاةَ الَّتِي لَهَا وَقْتٌ كَالضُّحَى وَالْعِيدِ، وَأَنْ يَنْوِيَ إِنْ كَانَتِ الصَّلاةُ مَفْرُوضَةً أَنَّهَا فَرْضٌ، كُلُّ ذَلِكَ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ مَعَ التَّكْبِيرِ أَيْ ضِمْنَهُ فِي مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، يَقُولُ بِقَلْبِهِ مَثَلًا أُصَلِّي فَرْضَ الظُّهْرِ أَوْ أُصَلِّي فَرْضَ الْعَصْرِ أَوْ أُصَلِّي الضُّحَى أَوْ أُصَلِّي الْوِتْرَ وَيَكُونُ هَذَا مَعَ التَّكْبِيرِ. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ غَيْرُ لازِمَةٍ فَتَصِحُّ الصَّلاةُ بِدُونِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَيَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ أَوِ الْمَغْرِبَ أَوْ صَلاةَ كَذَا مِنَ الْمَفْرُوضَاتِ مِنْ دُونِ أَيْ يَنْوِيَ الْفَرْضِيَةَ بِقَلْبِهِ.

   وَلا يَجِبُ عِنْدَ الإِمَامِ مَالِكٍ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقْتَرِنَةً بِالتَّكْبِيرِ فَلَوْ نَوَى الصَّلاةَ الَّتِي يُصَلِّيهَا قَبْلَ التَّكْبِيرِ بِقَلِيلٍ صَحَّتِ الصَّلاةُ عِنْدَهُ.

   وَالدَّلِيلُ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ هُوَ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَالزَّكَاةَ لا تَصِحُّ إِلَّا بِنِيَّةٍ لَكِنْ عِنْدَ بَعْضِ الأَئِمَّةِ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ لا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ فَلَوْ قَفَزَ الْجُنُبُ فَي بَحْرٍ مِنْ دُونِ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ صَحَّ الْغُسْلُ عِنْدَهُمْ وَهَؤُلاءِ حَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ إِنَّمَا تَكُونُ الأَعْمَالُ كَامِلَةً بِالنِّيَّةِ. وَكُلُّ الأَئِمَّةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ كَمَا زَعَمَ سَيِّدُ سَابِق الْمِصْرِيُّ الَّذِي عَمِلَ كِتَابَ فِقْهِ السُّنَّةِ أَنَّ الْكُفْرَ بِدُونِ نِيَّةٍ لا يَثْبُتُ. هَذَا الرَّجُلُ فَتَحَ بَابَ الْكُفْرِ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ لِلنَّاسِ يَقُولُ: كُلُّ كَلِمَاتِ الْكُفْرِ بِدُونِ نِيَّةٍ لا يَكُونُ قَائِلُهَا كَافِرًا إِنْ لَمْ يَنْوِ. وَهُوَ كَانَ يُدَرِّسُ فِي إِحْدَى الْجَامِعَاتِ فِي الْحِجَازِ، الْوَهَّابِيَّةُ جَعَلَتْهُ أُسْتَاذًا فِي جَامِعَتِهَا.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَقُولُ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ كَكُلِّ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ اللَّهُ أَكْبَرُ وَهُوَ ثَانِي أَرْكَانِهَا.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِمَّا هُوَ لازِمٌ لا يَصِحُّ التَّكْبِيرُ بِدُونِهِ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ جَمِيعَ حُرُوفِهِ، وَأَنَّ كُلَّ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدِ فِي الْجُلُوسِ الأَخِيرِ وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ فِيهِ وَالسَّلامِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ.

   وَالتَّكْبِيرُ هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاةِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لا يَمُدَّ الْبَاءَ بِحَيْثُ يَكُونُ اللَّفْظُ أَكْبَار فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الصَّلاةَ أَيْ لا تَنْعَقِدُ الصَّلاةُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الأَكْبَارَ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ «كَبَرٍ» وَهُوَ الطَّبْلُ الْكَبِيرُ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ وَكَانَ جَاهِلًا بِالْمَعْنَى لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْمَعْنَى وَقَالَ ذَلِكَ عَمْدًا كَفَرَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ مَعَ الْعِلْمِ بِالْمَعْنَى وَالتَّعَمُّدِ لِلنُّطْقِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فَلْيُحْذَرْ ذَلِكَ فِي الأَذَانِ أَيْضًا.

   وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ أَنْ لا يَمُدَّ الأَلِفَ الَّتِي هِيَ أَوَّلُ لَفْظِ الْجَلالَةِ فَلَوْ قَالَ «ءَاللَّهُ أَكْبَرُ» لَمْ تَنْعَقِدْ صَلاتُهُ وَيَحْرُمُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَتَغَيَّرُ، وَإِنْ فَهِمَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الِاسْتِفْهَامُ وَنَطَقَ بِهِ عَمْدًا فَقَدْ كَفَرَ [أَمَّا إِنْ كَانَ مُوَحِّدًا وَلا يَفْهَمُ مِنْهُ الشَّكَ هَلِ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ غَيْرِهِ أَمْ لا فَلا يَكْفُرُ لَكِنَّهُ قَبِيحٌ] لِأَنَّهُ يَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ هَلِ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ قَدْرًا وَعِلْمًا أَمْ لَيْسَ أَكْبَرُ؟.

   وَيُشْتَرَطُ أَنْ لا يَزِيدَ وَاوًا قَبْلَ لَفْظِ الْجَلالَةِ فَلَوْ قَالَ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، كَذَلِكَ لَوْ زَادَ وَاوًا بَيْنَ لَفْظِ الْجَلالَةِ وَ(أَكْبَرُ)، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْدَلَ هَمْزَةَ أَكْبَرُ بِالْوَاوِ فَقَالَ اللَّهُ وَكْبَر.

   قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يُشْتَرَطُ أَيْضًا لِصِحَّةِ التَّكْبِيرِ أَنْ لا يَمُدَّ لَفْظَ الْجَلالَةِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ حَرَكَةً وَلَمْ نَرَ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَالْمُتَوَلِّي لَمْ يَنُصُّوا عَلَى ذَلِكَ إِنَّمَا هَذَا شَىْءٌ يَذْكُرُهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوهِ.

   فَائِدَةٌ جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الشَّوْبَرِيِّ عَلَى شَرْحِ رَوْضِ الطَّالِبِ مَا نَصُّهُ: «قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: لَوْ تَوَسْوَسَ الْمَأْمُومُ فِي تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ عَلَى وَجْهٍ يُشَوِّشُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمَأْمُومِينَ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَنْ قَعَدَ يَتَكَلَّمُ بِجِوَارِ الْمُصَلِّي، وَكَذَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ – أَيْ لِلْقُرْءَانِ – جَهْرًا عَلَى وَجْهٍ يُشَوِّشُ عَلَى الْمُصَلِّي بِجِوَارِهِ» اهـ.

   وَأَمَّا الضَّرْبُ بِالدُّفِ فِي الْمَسْجِدِ فَيَجُوزُ لَكِنْ إِنْ كَانَ هُنَاكَ مُصَلٍّ أَوْ قَارئٌ لِلْقُرْءَانِ يَتَشَوَّشُ مِنْ ذَلِكَ فَيَحْرُمُ أَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَجَائِزٌ. الْمَسْجِدُ يَجُوزُ فِيهِ اللَّعِبُ الْمُبَاحُ الَّذِي فِيهِ نَفْعٌ كَاللَّعِبِ بِالْحِرَابِ. الْحَبَشَةُ كَانُوا يَرْقُصُونَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ وَيَمْدَحُونَهُ فَرَءَاهُمْ [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ] وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ وَلا قَالَ لَهُمْ كَيْفَ تَرْقُصُونَ فِي الْمَسْجِدِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الثَّالِثُ الْقِيَامُ فِي الْفَرْضِ لِلْقَادِرِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِهَا الْقِيَامَ فِي الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَلَوْ نَذْرًا أَوْ صَلاةَ جِنَازَةٍ، فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا مِنَ الصَّبِيِّ الْقِيَامُ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْكَبِيرِ، وَكَذَلِكَ فِي الصَّلاةِ الْمُعَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُعَادُ بَعْدَ أَنْ أُدِّيَتْ صَحِيحَةً مِنْ أَجْلِ جَمَاعَةٍ ثَانِيَةٍ، فَلَوْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ أَيْ لا يَسْتَطِيعُ الِاسْتِمْرَارَ فِي الْقِيَامِ بَعْدَ النُّهُوضِ إِلَّا بِمُعِينٍ يُعِينُهُ بِأُجْرَةٍ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ إِلَّا بِالْقِيَامِ [وَأَمَّا النُّهُوضُ بِمُعِينٍ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ فَيَلْزَمُهُ كَمَا فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ، وَالْمُرَادُ بِمَنْ لا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ إِلَّا بِمُعِينٍ أَيْ لا يَسْتَطِيعُ الِاسْتِمْرَارَ فِي الْقِيَامِ بَعْدَ النُّهُوضِ، فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ حَاشِيَةِ الشَّبْرَامَلِّسِيِّ عَلَى شَرْحِ الرَّمْلِيِّ بَعْد نَقْلِ كَلامِ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ «إِنَّ مَنْ قَدَرَ بَعْدَ النُّهُوضِ عَلَى الْقِيَامِ مُعْتَمِدًا عَلَى نَحْوِ جِدَارٍ وَعَصًا لَزِمَهُ أَوْ بِمُعِينٍ لَمْ يَلْزَمْهُ»] وَبَعْضُهُمْ قَالَ هَذَا لَيْسَ وَاجِبًا وَهَذَا الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ إِلَّا بعُكَّازٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِعَانَةُ بِهَا فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِأَنْ كَانَتْ تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ لا تُحْتَمَلُ عَادَةً صَحَّتْ صَلاتُهُ قَاعِدًا، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقُعُودِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ مُضْطَجِعًا عَلَى جَنْبٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى جَنْبٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا مُسْتَلْقِيًا وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ وُجُوبًا وَلَوْ قَلِيلًا لِيَتَوَجَّهَ بِوَجْهِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَكُونُ اسْتَقْبَلَ السَّمَاءَ فَلا تَصِحُّ صَلاتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ رَفْعَ رَأْسِهِ اقْتَصَرَ عَلَى تَوْجِيهِ أَخْمَصَيْهِ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَأَنْ يَكُونَ لا يَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ يَنْبَطِحَ عَلَى وَجْهِهِ صَلَّى وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا صَلَّى بِطَرْفِهِ أَيْ بِجَفْنِهِ أَيْ يُحَرِّكُ جَفْنَهُ بِنِيَّةِ الرُّكُوعِ ثُمَّ بِنِيَّةِ السُّجُودِ وَيَخْفِضُ لِلسُّجُودِ أَشَدَّ وَلا يَصِحُّ الإِغْمَاضُ إِشَارَةً لِلرُّكُوعِ وَلَكِنَّهُ يَصِحُّ إِشَارَةً لِلسُّجُودِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَجْرَى الأَرْكَانَ الْفِعْلِيَّةَ عَلَى قَلْبِهِ، وَأَمَّا الأَرْكَانُ الْقَوْلِيَّةُ فَيَقْرَؤُهَا بِلِسَانِهِ فَإِنِ ارْتَبَطَ لِسَانُهُ أَجْرَاهَا أَيْضًا عَلَى قَلْبِهِ. هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَيَقُولُ إِذَا عَجَزَ الْمَرِيضُ عَنْ تَحْرِيكِ رَأْسِهِ سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلاةُ.

   ثُمَّ شَرْطُ الْقِيَامِ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَنَصْبُ فَقَارِ ظَهْرِهِ وَلا يَجِبُ نَصْبُ الرَّقَبَةِ بَلْ يُسَنُّ خَفْضُ رَأْسِهِ إِلَى الأَمَامِ قَلِيلًا.

   وَيَكُونُ رُكُوعُ الْقَاعِدِ بِأَنْ يُحَاذِيَ رَأْسُهُ مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ وَالأَفْضَلُ أَنْ يُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ. وَيُسَنُّ وَضْعُ يَدَيْهِ بَعْدَ التَّحَرُّمِ تَحْتَ صَدْرِهِ وَفَوْقَ سُرَّتِهِ.

   وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْوَضْعُ عَلَى الصَّدْرِ [أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ] وَوَرَدَ فِي حَدِيثٍ ءَاخَرَ أَنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ أَمَّا وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى جَنْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الرَّابِعُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بِالْبَسْمَلَةِ وَالتَّشْدِيدَاتِ وَيُشْتَرَطُ مُوَالاتُهَا وَتَرْتِيبُهَا وَإِخْرَاجُ الْحُرُوفِ مِنْ مَخَارِجِهَا.

   الشَّرْحُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِيهَا بَيَانُ أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ الَّتِي هِيَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ لِلصَّلاةِ، فَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَالإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. أَخَذَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ فَقَالَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ يَعْنِي الْمُنْفَرِدَ وَالإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ، فَلا يُسْتَثْنَى الْمَأْمُومُ عِنْدَهُ كَمَا يُسْتَثْنَى فِي الْمَذَاهِبِ الثَّلاثَةِ الأُخْرَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَذْهَبِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الإِمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمَأْمُومِ عِنْدَهُمْ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا قَرَأَ [أَيِ الإِمَامُ] فَأَنْصِتُوا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ]، وَمَنْ أَخَذَ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَخَذَ بِالأَحْوَطِ فِي أَمْرِ دِينِهِ.

فَوَائِدُ اسْتِطْرَادِيَّةٌ [الِاسْتِطْرَادُ مَعْنَاهُ ذِكْرُ الشَّىْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لِمُنَاسَبَةٍ]

   قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ »قَوْلُهُ – يَعْنِي النَّوَوِيَّ- وَيَسْتَوِ فِي تَعَيُّنِ الْفَاتِحَةِ الإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ وَلَنَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَنَّهَا لا تَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي الْجَهْرِيَّةِ [وَيَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَذَا الْقَوْلِ]» اهـ.

   فَائِدَةٌ إِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ فَصَلَّى صَلاةَ الْجَهْرِ خَلْفَ جُنُبٍ جَهِلَ حَالَهُ وَلَمْ يَقْرَأِ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ هَلْ تَصِحُّ صَلاةُ الْمَأْمُومِ؟ قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي فُرُوعٍ مُتَفَرِّقَةٍ بَعْدَ بَابِ إِمَامَةِ الْمَرْأَةِ فِيهِ وَجْهَانِ الأَصَحُّ أَنَّهَا لا تَصِحُّ. ثُمَّ قَالَ وَأَصْلُهُمَا الْجُنُبُ إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَأْمُومُ رَاكِعًا هَلْ يُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ فِيهِ وَجْهَانِ» انْتَهَى كَلامُ الْبُلْقِينِيِّ.

   ثُمَّ إِنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ ءَايَاتٍ وَالْبَسْمَلَةُ ءَايَةٌ مِنْهَا فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ كَمَا أَنَّهَا ءَايَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ سِوَى بَرَاءَةَ فَلا يَجُوزُ قِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَهَا لِأَنَّ بَرَاءَةَ نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ أَيْ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ لِلتَّحْرِيضِ الشَّدِيدِ فِيهَا أَكْثَرَ مِمَّا فِي غَيْرِهَا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُسَمِّيهَا الْفَاضِحَةَ لِأَنَّهَا تَفْضَحُ الْمُنَافِقِينَ.

   وَكَذَلِكَ تَجِبُ التَّشْدِيدَاتُ الأَرْبَعَ عَشْرَةَ فِيهَا فَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ لِلْفَاتِحَةِ فَلا تَصِحُّ صَلاتُهُ، فَلَوْ خَفَّفَ مُشَدَّدًا لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ إِنْ لَمْ يُعِدْ تِلْكَ الْكَلِمَةَ عَلَى الصَّوَابِ بِخِلافِ تَشْدِيدِ الْمُخَفَّفِ فَإِنَّهُ لا يُبْطِلُ الصَّلاةَ لَكِنْ تَعَمُّدُهُ مَعْصِيَةٌ. قَالَ الْبُجيرميُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الإِقْنَاعِ: «قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَدَّدَ الْمُخَفَّفَ أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اللَّحْنَ الَّذِي لا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَلَيْسَ فِيهِ إِبْدَالُ حَرْفٍ بِآخَرَ لا يَضُرُّ» اهـ. أَيْ لا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ الصَّلاةِ وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ تَعَمُّدُهُ. وَقَالَ فِي نَفْسِ الْحَاشِيَةِ: «إِنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ اللَّحْنَ الَّذِي لا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى لا يُبْطِلُ الصَّلاةَ مُطْلَقًا».

   فائدةٌ قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي التِّتِمَّةِ:

   «وَإِنْ تَرَكَ التَّشْدِيدَ عَلَى لَفْظِ إِيَّاكَ وَخَفَّفَهَا فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَهُوَ يَعْرِفُ مَعْنَاهُ صَارَ كَافِرًا لِأَنَّ الإِيَا ضَوْءُ الشَّمْسِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ نَعْبُدُ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ» اهـ.

   وَلا بُدَّ أَنْ يُعِيدَ الْكَلِمَةَ عَلَى الصَّوَابِ. قَالَ الْبُجيرميُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الإِقْنَاعِ: «وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ إِعَادَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الصَّوَابِ فَإِنْ رَكَعَ عَامِدًا عَالِمًا قَبْلَ إِعَادَتِهَا بَطَلَتْ صَلاتُهُ» اهـ.

   فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِالْمَعْنَى أَوْ نَاسِيًا لَهُ فَعُلِّمَ الصَّوَابَ يُعِيدُهَا عَلَى الصَّوَابِ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَبْلَ سَلامِهِ.

   وَتَجِبُ مُرَاعَاةُ مُوَالاتِهَا بِأَنْ لا يَفْصِلَ بَيْنَ شَىْءٍ مِنْهَا وَمَا بَعْدَهُ.

   وَتَنْقَطِعُ الْمُوَالاةُ

   بِالْفَصْلِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ، أَمَّا إِذَا كَانَ لِعُذْرٍ فَيَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ غَلَبَهُ السُّعَالُ مَثَلًا. وَسَكْتَةُ التَّنَفُّسِ هِيَ مِقْدَارُ مَا يَسْكُتُ النَّاسُ عَادَةً أَثْنَاءَ كَلامِهِمْ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَتَنَفَّسُوا، لَيْسَ مُقَدَّرًا بِمِقْدَارِ قَوْلِ «سُبْحَانَ اللَّهِ» بَلْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.

   وَبِالذِّكْرِ وَإِنْ قَلَّ «كَالْحَمْدُ لِلَّهِ» لِلْعَاطِسِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الذِّكْرُ مَسْنُونًا كَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ فِي غَيْرِ الْحَيْعَلَتَيْنِ [إِذَا أَجَابَ الْمُؤَذِّنَ فِي غَيْرِ الْحَيْعَلَتَيْنِ تَنْقَطِعُ الْقِرَاءَةُ وَلا تَفْسُدُ الصَّلاةُ أَمَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ لَوْ أَجَابَهُ بِالْمِثْلِ لَفَسَدَتِ الصَّلاةُ]، نَعَمْ إِنْ سُنَّ فِيهَا لِمَصْلَحَتِهَا كَالتَّأْمِينِ لِقِرَاءَةِ إِمَامِهِ وَنَحْوِ قَوْلِ «بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ» ءَاخِرَ قِرَاءَةِ «وَالتِّينِ» مِنَ الإِمَامِ [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ] فَلا تَنْقَطِعُ بِذَلِكَ مُوَالاةُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مِنَ الْمَأْمُومِ.

   بَيَانٌ لَوْ أَخَلَّ بِالْمُوَالاةِ كَأَنْ سَكَتَ أَثْنَاءَ الْقِرَاءَةِ سُكُوتًا طَوِيلًا وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ بِلا عُذْرٍ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ أَيِ الْعَوْدُ إِلَى أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، وَكَذَا لَوْ سَكَتَ سُكُوتًا قَصِيرًا قَصَدَ بِهِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ فِي الأَصَحِّ، بِخِلافِ مَا إِذَا سَكَتَ طَوِيلًا بِعُذْرٍ مِنْ جَهْلٍ أَوْ سَهْوٍ أَوْ إِعْيَاءٍ أَوْ غَلَبَةِ عُطَاسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ تَثَاؤُبٍ أَوْ تَذَكُّرِ ءَايَةٍ نَسِيَهَا فَإِنَّهُ لا يَضُرُّ، وَلَوْ كَرَّرَ ءَايَةً مِنْهَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى إِنْ أَكْثَرَ تَكْرَارَهَا بِحَيْثُ طَالَ الْفَصْلُ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ اهـ وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: «إِنْ كَانَتْ أَوَّلَ ءَايَةٍ مِنْهَا أَوْ ءَاخِرَ ءَايَةٍ مِنْهَا لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ وَسَطِهَا فَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَنَّهُ كَمَا لَوْ قَرَأَ فِي خِلالِهَا غَيْرَهَا فَإِنْ كَانَ عَامِدًا بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا بَنَى عَلَيْهَا» اهـ.

   قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ: «وَلَوْ كَرَّرَ ءَايَةً أَوْ كَلِمَةً مِنْهَا فَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ صِحَّتِهَا [أَيْ تَصْحِيحِهَا] لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا قَالَ الْمُتَوَلِّي إِنْ كَرَّرَ مَا هُوَ فِيهِ أَوْ مَا قَبْلَهُ وَاسْتَصْحَبَ بَنَى وَإِلَّا فَلا – أَيْ بَلْ يَسْتَأْنِفُ -، وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَسْتَأْنِفُ مُطْلَقًا، وَقَالَ الإِمَامُ [الإِمَامُ هُنَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَبْدُ الْمَلِكِ] وَالْبَغَوِيُّ يَبْنِي مُطْلُقًا» اهـ، وَاعْتَمَدَ الأَوَّلَ بَعْضُهُمْ.

   وَلَوْ قَرَأَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ بَسْمَلَ أَمْ لا فَأَتَمَّهَا فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُعِيدُهَا كُلَّهَا لِتَقْصِيرِهِ بِمَا قَرَأَهُ مَعَ الشَّكِّ، وَلَوْ أَتَى بِذِكْرٍ أَثْنَاءَهَا عَمْدًا انْقَطَعَتِ الْمُوَالاةُ وَوَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ بِخِلافِ مَا إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ سَهْوًا فَإِنَّهُ لا يَضُرُّ، هَذَا إِذَا كَانَ الذِّكْرُ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِالصَّلاةِ أَمَّا الْمُتَعَلِّقُ بِهَا فَلا يَقْطَعُ الْمُوَالاةَ فِي الأَصَحِّ كَالتَّأْمِينِ لِقِرَاءَةِ الإِمَامِ وَسُؤَالِ الرَّحْمَةِ إِذَا سَمِعَ مِنْهُ ءَايَةً فِيهَا ذَلِكَ مِثْلُ ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [سُورَةَ الأَنْفَال/70] وَالتَّعَوُّذِ مِنَ الْعَذَابِ إِذَا سَمِعَ مِنْهُ ءَايَةً فِيهَا ذَلِكَ مِثْلُ ﴿وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [سُورَةَ الزُّمَر/71]، وَقَوْلِ «بَلَى» إِذَا سَمِعَ مِنْهُ قَوْلَ اللَّهِ ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [سُورَةَ التِّين/8]، وَقَوْلِ «ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَنَحْنُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ] إِذَا سَمِعَ مِنْهُ قَوْلَهُ تَعَالَى ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ [سورة الأعراف/185]، وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ إِذَا سَمِعَ مِنْهُ ءَايَةً فِيهَا اسْمُهُ فَإِنَّهُ إِذَا صَلَّى عَلَيْهِ بِالضَّمِيرِ فَلا تَقْطَعُ الْمُوَالاةَ كَأَنْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا صَلَّى عَلَيْهِ بِالظَّاهِرِ كَأَنْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ انْقَطَعَتِ الْمُوَالاةُ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَأَنَّهُ اسْتَأْنَفَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. وَلا يَقْطَعُ التِلاوَةَ سُجُودُ التِّلاوَةِ مَعَ الإِمَامِ وَكَذَلِكَ الرَّدُّ عَلَيْهِ إِذَا تَوَقَّفَ وَسَكَتَ عَنِ الْقِرَاءَةِ، فَأَمَّا إِنْ رَدَّ قَبْلَ السُّكُوتِ بِأَنْ كَانَ يُرَدِّدُ الآيَةَ انْقَطَعَتِ الْمُوَالاةُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافُ لِأَنَّ الرَّدَّ عَلَيْهِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ حِينَئِذٍ» اهـ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْفَتْحُ عَلَى الإِمَامِ [أَيْ تَذْكِيرُهُ] بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ إِنْ قَصَدَ التَّذْكِيرَ وَحْدَهُ فَسَدَتْ صَلاتُهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لا تَفْسُدُ.

   فَائِدَةٌ لَوْ أَسْقَطَ حَرْفًا مِنَ الْفَاتِحَةِ كَأَنْ قَالَ إِيَّاكَ نَعْبُدُ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ بِإِسْقَاطِ الْوَاوِ، أَوْ قَالَ الَّذِينَ نَعَمْتَ بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ، أَوْ أَسْقَطَ شَدَّةً فِي إِيَّاكَ بِأَنْ خَفَّفَ الْيَاءَ، أَوْ أَبْدَلَ حَرْفًا بِآخَرَ كَأَنْ قَالَ صِرَاطَ الزِّينَ بِالزَّايِ أَوْ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، أَوْ قَالَ الْهَمْدُ بِالْهَاءِ بَدَلَ الْحَاءِ، أَوْ قَالَ الظَّالِّينَ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ بَدَلَ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، أَوْ قَالَ الْمُسْتَئِيمَ بِالْهَمْزَةِ بَدَلَ الْقَافِ [أَهْلُ حَلَبَ يَغْلِبُ عَلَيْهِمْ هَذَا]، أَوِ الْمُسْتَقِينَ بِالنُّونِ بَدَلَ الْمِيمِ، أَوْ قَالَ نَثْتَعِينُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَدَلَ السِّينِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ إِنْ تَعَمَّدَ وَعَلِمَ وَإِلَّا فِقِرَاءَتُهُ لِتِلْكَ الْكَلَمَةِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ الرُكُوعِ إِعَادَتُهَا عَلَى الصَّوَابِ وَيُكَمَّلُ عَلَيْهَا إِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ وَإِلَّا اسْتَأْنَفَهَا [أَيْ أَعَادَ الْفَاتِحَةَ مِنْ أَوَّلِهَا]، وَإِنْ رَكَعَ قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلاتُهُ إِنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا وَإِلَّا لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ.

   وَلَوْ أَبْدَلَ حَرَكَةً بِأُخْرَى فَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى كَكَسْرِ كَافِ إِيَّاكَ، أَوْ ضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْتَ أَوْ كَسْرِهَا بَطَلَتْ صَلاتُهُ إِنْ تَعَمَّدَ وَعَلِمَ وَإِلَّا فَقِرَاءَتُهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتُهَا عَلَى الصَّوَابِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَطُولِ الْفَصْلِ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلاتُهُ، وَإِنْ كَانَ لا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَضَمِّ هَاءِ لِلَّهِ، أَوْ صَادِ صِرَاطَ، أَوْ كَسْرِ بَاءِ نَعْبُدُ، أَوْ كَسْرِ نُونِهَا أَوْ نُونِ نَسْتَعِينُ فَلا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاةُ مُطْلَقًا لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ وَالتَّعَمُّدِ [لَكِنْ إِنِ ادَّعَى أَنَّهُ قُرْءَانٌ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لَيْسَ قُرْءَانًا يَكْفُرُ]، هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْقَادِرِ عَلَى الصَّوَابِ وَلَوْ بِالتَّعَلُّمِ، أَمَّا الْعَاجِزُ عَنِ الصَّوَابِ وَعَنْ تَعَلُّمِهِ فَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ [أَيْ بِدُونِ قِرَاءَةِ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنَ الْفَاتِحَةِ، وَلا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ مَعَ التَّحْرِيفِ].

   قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِنَّهُ لا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ الصَّلاةِ إِبْدَالُ الضَّادِ ظَاءً لِعُسْرِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ [وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ إِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ إِبْدَالَ الْحَرْفِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الصَّوَابِ]، وَقَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ لا يَضُرُّ إِبْدَالُ الذَّالِ دَالًا. وَلَوْ قَرَأَ «أَلْ رَحْمٰنِ» بِفَكِّ الإِدْغَامِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ إِنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ وَإِلَّا فَقِرَاءَتُهُ لِتِلْكَ الْكَلِمَةِ، وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ تَحْرُمُ وَقْفَةٌ لَطِيفَةٌ بَيْنَ السِّينِ وَالتَّاءِ فِي نَسْتَعِين، وَلَوْ قَالَ مُوَسْوِسٌ بِسْ بِسْ إِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ تَفْسُدْ [ظَنَّ أَنَّ الأُولَى مَا خَرَجَتْ صَحِيحَةً فَكَرَّرَ أَمَّا الَّذِي يُكَرِّرُ عَمْدًا مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِأَنَّ الأُولَى خَرَجَتْ صَحِيحَةً فَتَفْسُدُ صَلاتُهُ].

   وَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَمَامِهَا اسْتَأْنَفَهَا وُجُوبًا إِنْ طَالَ زَمَنُ الشَّكِ أَوْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ مُبْهَمٍ، فَإِنْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ أَعَادَهُ فَقَطْ. انْتَهَتْ أَيْ تِلْكَ الْفَوَائِدُ.

   وَيَجِبُ تَرْتِيبُ الْفَاتِحَةِ أَيْضًا بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى نَظْمِهَا الْمَعْرُوفِ، فَلَوْ قَدَّمَ كَلِمَةً فَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى أَوْ أَبْطَلَهُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ إِنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ وَإِلَّا فَالْقِرَاءَةُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَيَتَعَمَّدْ لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا قَدَّمَهُ وَكَذَا بِمَا أَخَّرَهُ إِنْ قَصَدَ التَّكْمِيلَ [وَلإِيضَاحِ هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ عِبَارَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ يُقَالَ لَوْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ بِأَنْ قَدَّمَ كَلِمَةً أَوْ ءَايَةً نُظِرَ فَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى أَوْ أَبْطَلَهُ بَطَلَتْ صَلاتُهُ إِنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ وَإِلَّا فِقِرَاءَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ وَلَمْ يُبْطِلْهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا قَدَّمَهُ مُطْلَقًا وَكَذَا مَا أَخَّرَهُ إِنْ قَصَدَ بِهِ عِنْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ التَّكْمِيلَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ وَإِلَّا بِأَنْ قَصَدَ الِاسْتِئْنَافَ أَوْ أَطْلَقَ كَمَّلَ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَطُلِ الْفَصْلُ].

   فَائِدَةٌ

   قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي التِّتِمَّةِ:

   «فَأَمَّا إِنْ رَدَّدَ ءَايَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ فَإنْ رَدَّدَ الآيَةَ الَّتِي هُوَ فِي تِلاوَتِهَا ثُمَّ تَلا الْبَاقِي فَالْقِرَاءَةُ صَحِيحَةٌ وَإِنْ أَعَادَ بَعْضَ الآيَاتِ الَّتِي فَرَغَ مِنْ تِلاوَتِهَا مِثْلُ أَنْ وَصَلَ إِلَى قَوْلِ ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ﴾ فَعَادَ إِلَى قَوْلِهِ ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ إِنْ أَعَادَ الْقِرَاءَةَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَادَ إِلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ مَحْسُوبَةً، وَإِنْ أَعَادَ قِرَاءَةَ هَذِهِ الآيَةِ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ قَدِ انْتَهَى إِلَيْهِ لَمْ تُحْسَبْ لَهُ الْقِرَاءَةُ وَعَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافُ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي التِّلاوَةِ وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ عَامِدًا وَأَمَّا إِذَا كَانَ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلا يَنْقَطِعُ نَظْمُ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ فِي الصَّلاةِ فِعْلًا يُخَالِفُ الصَّلاةَ وَهُوَ جَاهِلٌ أَوْ نَاسٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ وَكَذَا إِذَا كَانَ فِي خِلالِ الْقِرَاءَةِ لا تَبْطُلُ قِرَاءَتُهُ» اهـ.

   وَيَجِبُ أَيْضًا إِخْرَاجُ الْحُرُوفِ مِنْ مَخَارِجِهَا فَلا يَصِحُّ إِبْدَالُ قَادِرٍ عَلَى الصَّوَابِ أَوْ مُقَصِّرٍ فِي التَّعَلُّمِ الضَّادَ بِالظَّاءِ، وَمِنْهُ إِخْرَاجُ الْقَافِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَافِ كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ عِنْدَ قِرَاءَةِ ﴿الْمُسْتَقِيم﴾ فَإِنَّهُمْ يَقْرَءُونَهَا الْمُسْتَغِيم بِالْقَافِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَافِ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الصَّعِيدِ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ، وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ سَهَّلَ فِي ذَلِكَ.

   وَأَوْلَى الْحُرُوفِ عِنَايَةً بِذَلِكَ الصَّادُ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُخْرِجُونَهَا غَيْرَ صَافِيَةٍ، وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ [فِي التَّبْصِرَةِ] بِعَدَمِ صِحَّةِ قِرَاءَةِ مَنْ يَقْرَأُ كَذَلِكَ أَيْ يَأْتِي بِالصَّادِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السِّينِ لا هِيَ صَادٌ مَحْضَةٌ وَلا هِيَ سِينٌ مَحْضَةٌ وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهِيَ أَيِ الصَّادُ الَّتِي تُشْبِهُ السِّينَ الْمُتَرَدِّدَةُ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُسْتَهْجَنَةِ أَيِ الْمُسْتَقْبَحَةِ عِنْدَ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ. فَهَاكَ عِبَارَةَ ابْنِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ إِمَامٌ فِي اللُّغَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالنَّحْوِ وَنَصُّ عِبَارَتِهِ «لِهَذِهِ الْحُرُوفِ فُرُوعٌ تُسْتَحْسَنُ وَهِيَ الْهَمْزَةُ الْمُسَهَّلَةُ، وَالْغُنَّةُ وَمَخْرَجُهَا الْخَيْشُومُ، وَأَلِفَا الإِمَالَةِ وَالتَّفْخِيمِ، وَالشِّينُ كَالْجِيمِ، وَالصَّادُ كَالزَّايِ، وَفُرُوعٌ تُسْتَقْبَحُ وَهِيَ كَافٌ كَجِيمٍ وَبِالْعَكْسِ، وَجِيمٌ كَشِينٍ، وَصَادٌ كَسِينٍ، وَطَاءٌ كَتَاءٍ، وَظَاءٌ كَثَاءٍ، وَبَاءٌ كَفَاءٍ، وَضَادٌ ضَعِيفَةٌ» اهـ وَذَلِكَ فِي كِتَابِهِ «تَسْهِيلُ الْفَوَائِدِ وَتَكْمِيلُ الْمَقَاصِدِ» فِي أَوَاخِرِهِ وَهُوَ بَابُ مَخَارِجِ الْحُرُوفِ وَذَلِكَ فِي صَحِيفَةِ ثَلاثِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَمِثْلَ ذَلِكَ ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ.

   قَالَ زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيُّ فِي شَرْحِ الْجَزَرِيَّةِ «حُرُوفُ الصَّفِيرِ (صَادٌ) مُهْمَلَةٌ وَ(زَايٌ) وَ(سِينٌ) مُهْمَلَةٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِصَوْتٍ يَخْرُجُ مَعَهَا بِصَفِيرٍ يُشْبِهُ صَفِيرَ الطَّائِرِ، وَفِيهَا لِأَجْلِ صَفِيرِهَا قُوَّةٌ، وَأَقْوَاهَا فِي ذَلِكَ الصَّادُ لِلإِطْبَاقِ [الإِطْبَاقُ لُغَةً: الِالْتِصَاقُ، وَسُمِّيَتْ حُرُوفُهُ مُطْبَقَةً لِانْطِبَاقِ طَائِفَةٍ مِنَ اللِّسَانِ عَلَى الْحَنَكِ عِنْدَ النُّطْقِ بِهَا] وَالِاسْتِعْلاءِ [الِاسْتِعْلاءُ لُغَةً: الِارْتِفَاعُ، وَسُمِّيَتْ حُرُوفُهُ مُسْتَعْلِيَةً لِأَنَّ اللِّسَانَ يَعْلُو عِنْدَ النُّطْقِ بِهَا إِلَى الْحَنَكِ] اهـ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَدَمُ اللَّحْنٍ الْمُخِلِّ بِالْمَعْنَى كَضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْتَ، وَيَحْرُمُ اللَّحْنُ الَّذِي لَمْ يُخِلَّ، وَلا يُبْطِلُ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْفَاتِحَةِ أَنْ لا يَأْتِيَّ بِلَحْنٍ يُخِلُّ بِالْمَعْنَى أَيْ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى أَوْ يُبْطِلُهُ، فَمَنْ أَتَى بِلَحْنٍ فِيهَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَأَنْ يَقُولَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِمْ بِضَمِّ التَّاءِ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ بَلْ تَبْطُلُ صَلاتُهُ بِذَلِكَ إِنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ وَإِلَّا فِقِرَاءَتُهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَتُهَا عَلَى الصَّوَابِ وَإِلَّا فَسَدَتْ صَلاتُهُ، أَمَّا إِنْ كَانَ يَفْهَمُ فَسَادَ الْمَعْنَى [أَيْ يَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْهِدَايَةَ] وَتَعَمَّدَ كَفَرَ.

   وَأَمَّا اللَّحْنُ الْمُبْطِلُ لِلْمَعْنَى فَهُوَ كَقِرَاءَةِ الَّذِينَ بِالزَّايِ فَإِنَّهُ لا مَعْنَى لَهُ أَلْبَتَّةَ فَهُوَ كَالْمُغَيِّرِ لِلْمَعْنَى.

   وَأَمَّا اللَّحْنُ الَّذِي لا يُبْطِلُ الْمَعْنَى فَتَصِحُّ مَعَهُ صَلاتُهُ كَقِرَاءَةِ نِعْبُدُ بِكَسْرِ النُّونِ فَإِنَّهَا لا تُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَلَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَمِنَ الْمُبْطِلِ قِرَاءَةُ نَعْبَدُ بِفَتْحِ الْبَاءِ فَهُوَ مِنَ اللَّحْنِ الْمُغَيِّرِ لِلْمَعْنَى فَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ إِنْ لَمْ يُعِدِ الْكَلِمَةَ عَلَى الصَّوَابِ، وَأَمَّا تَعَمُّدُهَا مَعَ مَعْرِفَةِ الْمَعْنَى فَهُوَ كُفْرٌ لِأَنَّ مَعْنَى نَعْبَدُ نَأْنَفُ وَنَغْضَبُ، يُقَالُ عَبِدَ يَعْبَدُ كَغَضِبَ يَغْضَبُ وَزْنًا وَمَعْنًى فَلْيُحْذَرْ مَا فِي كِتَابِ فَتْحِ الْعَلَّامِ مِنْ أَنَّهُ لا يُبْطِلُ.

   وَأَمَّا كَسْرُ نُونِ نَسْتَعِينُ الأُولَى فَإِنَّ هَذَا الْكَسْرَ جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ لُغَةُ رَبِيعَةَ، وَقَرَأَ بِهِ بَعْضُ السَّلَفِ كَعُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ وَنُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهِيَ قِرَاءَةُ شَاذَّةٌ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْخَامِسُ الرُّكُوعُ بِأَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ تَنَالُ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ الرُّكْنَ الْخَامِسَ هُوَ الرُّكُوعُ وَيَحْصُلُ بِالِانْحِنَاءِ إِلَى الْحَدِّ الَّذِي تَنَالُ أَيْ تَبْلُغُ الرَّاحَتَانِ رُكْبَتَيْهِ لَوْ وَضَعَهُمَا عَلَيْهِمَا مَعَ اعْتِدَالِ الْخِلْقَةِ، وَالرَّاحَتَانِ هُمَا مَا عَدَا الأَصَابِعَ مِنَ الْكَفَّيْنِ وَالرَّاحَةُ مُقَعَّرُ الْكَفِّ الَّذِي هُوَ بَيْنَ الأَصَابِعِ وَالسَّاعِدِ.

   ويُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الِانْحِنَاءُ بِلا انْخِنَاسٍ أَيْ ثَنْيِ الرُّكْبَتَيْنِ كَثِيرًا، وَلا يَكْفِي بُلُوغُ الأَصَابِعِ دُونَ الرَّاحَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِاعْتِدَالِ الْخِلْقَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الرَّجُلُ طَوِيلَ الرَّاحَتَيْنِ فَانْحَنَى بِقَدْرِ مَا تَصِلُ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ وَلَوْ كَانَ مُعْتَدِلًا لَمْ تَصِلا فَلا يَكْفِي ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ قَصِيرَ الْيَدَيْنِ فَالشَّرْطُ فِي صِحَّةِ رُكُوعِهِ أَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ تَنَالُ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ لَوْ كَانَ مُعْتَدِلًا، وَيُشْتَرَطُ الْيَقِينُ فِي ذَلِكَ فَلَوْ شَكَّ فِي بُلُوغِهِ هَذَا الْقَدْرَ الْمُجْزِئَ لَمْ يَصِحَّ رُكُوعُهُ.

   وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الرُّكُوعِ عَدَمُ وُجُودِ الصَّارِفِ، وَالصَّارِفُ هُوَ الشَّىْءُ الَّذِي يَصْرِفُ هَذَا الْهُوِيَّ عَنْ كَوْنِهِ رُكُوعًا إِلَى غَيْرِهِ كَقَصْدِهِ سُجُودَ التِّلاوَةِ فَهَوَى بِهَذَا الْقَصْدِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ رُكُوعًا فَهُنَا لا يَصِحُّ هَذَا الْهُوِيُّ لِوُجُودِ الصَّارِفِ وَهُوَ قَصْدُ سُجُودِ التِّلاوَةِ فَمَنْ بَدَا لَهُ بَعْدَ أَنْ بَدَأَ بِالْهُوِيِّ بِنِيَّةِ سُجُودِ التِّلاوَةِ أَنْ يَتْرُكَ سُجُودَ التِّلاوَةِ إِلَى الرُّكُوعِ فَلا بُدَّ أَنْ يَنْتَصِبَ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعَ.

   هَذَا حَدُّ الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ، وَأَمَّا الْكَمَالُ فِي الرُّكُوعِ فَهُوَ أَنْ يَمُدَّ ظَهْرَهُ وَعُنُقَهُ كَالصَّفِيحَةِ مَعَ نَصْبِ السَّاقَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ [وَلا يَضُرُّ ثَنْيُ الرُّكْبَتَيْنِ ثَنْيًا خَفِيفًا بِالإِجْمَاعِ، وَهَذَا يَحْصُلُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ] وَأَخْذِ الرُّكْبَتَيْنِ بِالرَّاحَتَيْنِ مَعَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الرُّكْبَتَيْنِ وَبَيْنَ الرِّجْلَيْنِ شِبْرًا وَبَيْنَ الأَصَابِعِ تَفْرِيقًا وَسَطًا هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُسَنُّ لَهَا أَنْ تُقَارِبَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا.

   وَمِنْ كَمَالِ الرُّكُوعِ قَوْلُ «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيم» ثَلاثًا وَهَذَا غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى رِضَا الْمَأْمُومِينَ، أَمَّا مَا زَادَ عَلَى الثَّلاثِ فَفِي مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَا مَأْمُومِينَ مَحْصُورِينَ أَيْ لا يَأْتِي إِلَيْهِمْ غَيْرُهُم، فَإِنْ زَادَ وَهُمْ لا يَرْضَوْنَ فَهُوَ خِلافُ الأَوْلَى.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: السَّادِسُ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَهِيَ سُكُونُ كُلِّ عَظْمٍ مَكَانَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً.

   الشَّرْحُ أَنَّ الرُّكْنَ السَّادِسَ هُوَ الطُّمَأْنِينَةُ وَالْمُرَادُ بِالطُّمَأْنِينَةِ اسْتِقْرَارُ الأَعْضَاءِ دَفْعَةً وَاحِدَةً.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: السَّابِعُ الِاعْتِدَالُ بِأَنْ يَنْتَصِبَ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَائِمًا. الثَّامِنُ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مَعْنَى الِاعْتِدَالِ عَوْدُ الرَّاكِعِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ رُكُوعِهِ إِنْ كَانَ قِيَامًا أَوْ غَيْرَهُ، وَيَحْصُلُ بِانْتِصَابِ الْمُصَلِّي قَائِمًا إِنْ كَانَ يُصَلِّي قَائِمًا، وَأَمَّا الْمُصَلِّي جَالِسًا أَوْ غَيْرَهُ فَبِالرُّجُوعِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ رُكُوعِهِ.

   وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي الِاعْتِدَالِ عَدَمُ الصَّارِفِ، فَلَوْ رَفَعَ فَزَعًا مِنْ شَىْءٍ لَمْ يَكْفِ لِلِاعْتِدَالِ، وَلَوْ رَفَعَ بَعْدَ أَنِ اطْمَأَنَّ رَاكِعًا لِكَوْنِهِ شَكَّ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِيَقْرَأَهَا فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ قَرَأَهَا قَبْلُ كَفَاهُ ذَلِكَ الرَّفْعُ لِلِاعْتِدَالِ.

   وَمِنْ كَمَالِ الِاعْتِدَالِ أَنْ يَقُولَ مَعَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا قَالَ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ أَوْ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ.

   وَالْقُنُوتُ [وَهُوَ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ] فِي اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي الصُّبْحِ وَفِي اعْتِدَالِ رَكْعَةِ الْوِتْرِ فِي نِصْفِ رَمَضَانَ الثَّانِي، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ وَءَالِهِ فِي ءَاخِرِهِ، وَفِي اعْتِدَالِ ءَاخِرِ رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ مَكْتُوبَةٍ لِلنَّازِلَةِ أَيِ الْبَلاءِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: التَّاسِعُ السُّجُودُ مَرَّتَيْنِ بِأَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا عَلَى مُصَلَّاهُ مَكْشُوفَةً وَمُتَثَاقِلًا بِهَا وَمُنَكِّسًا أَيْ يَجْعَلُ أَسَافِلَهُ أَعْلَى مِنْ أَعَالِيهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ الرُّكْنَ التَّاسِعَ هُوَ السُّجُودُ مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَالسُّجُودُ فِي الشَّرْعِ هُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ، وَيُطْلَقُ لُغَةً عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى مَا هُوَ شَبِيهٌ بِذَلِكَ.

   وَمِنْ شُرُوطِهِ:

   أَنْ يَكُونَ مُتَثَاقِلًا بِجَبْهَتِهِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ تَحْتَهُ قُطْنٌ لَانْكَبَسَ وَظَهَرَ أَثَرُهُ عَلَى يَدِهِ لَوْ فُرِضَتْ تَحْتَ الْقُطْنِ.

   وَتَنْكِيسُ رَأْسِهِ بِارْتِفَاعِ أَسَافِلِهِ عَلَى أَعَالِيهِ يَرْفَعُ عَجِيزَتَهُ وَيَخْفِضُ رَأْسَهُ وَهَذَا لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَى اشْتِرَاطِهِ بَلْ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلٌ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمُصَلِّي مُسَاوِيًا لِدُبُرِهِ صَحَّتْ صَلاتُهُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ فَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّنْكِيسُ صَلَّى بِحَسَبِ حَالِهِ وَأَعَادَ. وَعَلَيْهِ لَوْ عَجَزَ عَنْ وَضْعِ بَعْضِ الْجَبْهَةِ مَعَ التَّنْكِيسِ إِلَّا عَلَى نَحْوِ وِسَادَةٍ وَجَبَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَى نَحْوِ الْوِسَادَةِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَضَعَ شَيْئًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَمِنْ بُطُونِ كَفَّيْهِ وَمِنْ بُطُونِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ السُّجُودِ أَنْ يَضَعَ جُزْءًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَمِنْ بُطُونِ كَفَّيْهِ وَمِنْ بُطُونِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَكْشُوفَةً.

   وَيُشْتَرَطُ فِي السُّجُودِ أَيْضًا عَدَمُ وُجُودِ الصَّارِفِ، فَلَوْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ قَهْرًا لَمْ يُحْسَبْ فَيَجِبُ الْعَوْدُ إِلَى الِاعْتِدَالِ، وَلَوْ سَقَطَ مِنَ الْهُوِيِّ أَوْ مِنَ الِاعْتِدَالِ بَعْدَ قَصْدِ الْهُوِيِّ أَجْزَأَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الصَّارِفِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خَارِجَ الْمَذْهَبِ: لَيْسَ شَرْطًا فِي السُّجُودِ التَّنْكِيسُ فَلَوْ كَانَ رَأْسُهُ أَعْلَى مِنْ دُبُرِهِ صَحَّتِ الصَّلاةُ عِنْدَهُمْ.

   الشَّرْحُ هَذَا مَذْهَبُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَلَكِنِ الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ أَنْ لا يَخْرُجَ عَنِ اسْمِ السُّجُودِ، قَالَ فِي غَايَةِ الْمُنْتَهَى: «وَإِنْ عَلا مَوْضِعُ رَأْسِهِ عَلَى قَدَمَيْهِ فَلَمْ تَسْتَعْلِ أَسَافِلُهُ بِلا حَاجَةٍ فَلا بَأْسَ بِيَسِيرِهِ وَكُرِهَ كَثِيرُهُ، وَلا يُجْزِئُ إِنْ خَرَجَ عَنْ صِفَةِ سُجُودٍ» اهـ، وَأَمَّا الْخِلافُ الْمَذْهَبِيُّ فَهُوَ فِيمَا إِذَا تَسَاوَتْ أَسَافِلُهُ وَأَعَالِيهِ فَعَلَى قَوْلٍ تَصِحُّ صَلاتُهُ، وَأَمَّا إِذَا عَلَتْ أَعَالِيهِ عَلَى أَسَافِلِهِ لَمْ يَصِحَّ السُّجُودُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْعَاشِرُ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ، الْحَادِي عَشَرَ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، الثَّانِي عَشَرَ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ.

   الشَّرْحُ فِي هَذِهِ الْجُمَلِ ذِكْرُ ثَلاثَةِ أَرْكَانٍ:

   أَحَدُهَا: الطُّمَأْنِينَةُ فِي السُّجُودَيْنِ.

   وَثَانِيهَا: الَّذِي هُوَ الرُّكْنُ الْحَادِي عَشَرَ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَهُوَ رُكْنٌ وَلَوْ كَانَتِ الصَّلاةُ نَفْلًا، وَاخْتَلَفُوا هَلْ هَذَا الْجُلُوسُ رُكْنٌ قَصِيرٌ أَمْ لا، فَمَنْ جَعَلَهُ رُكْنًا قَصِيرًا اشْتَرَطَ عَدَمَ تَطْوِيلِهِ فَعَلَيْهِ إِنْ طَوَّلَهُ فَوْقَ الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ بِقَدْرِ أَقَلِّ التَّشَهُّدِ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ، وَعَلَى الْقَوْلِ الآخَرِ يَجُوزُ تَطْوِيلُهُ، وَكَذَلِكَ الِاعْتِدَالُ فِيهِ اخْتِلافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ هَلْ هُوَ رُكْنٌ قَصِيرٌ أَمْ لا، فَعَلَى اشْتِرَاطِ عَدَمِ تَطْوِيلِهِ مَنْ زَادَ فِيهِ عَلَى الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ أَبْطَلَ ذَلِكَ إِنْ كَانَ مَعَ الْعَمْدِ وَالْعِلْمِ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُمَا رُكْنَانِ طَوِيلانِ.

   وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا عَدَمُ الصَّارِفِ فَلَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ فَزَعًا مِنْ شَىْءٍ رَجَعَ إِلَى السُّجُودِ ثُمَّ يَجْلِسُ.

   وَثَالِثُهَا: الطُّمَأْنِينَةُ فِي هَذَا الْجُلُوسِ وَهِيَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاةِ. وَيُسَنُّ فِي هَذَا الْجُلُوسِ الِافْتِرَاشُ أَوِ الإِقْعَاءُ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى بُطُونِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ وَهَذَا غَيْرُ الإِقْعَاءِ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ، وَقَوْلُ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي»، وَفِي اللَّفْظِ اخْتِلافُ رِوَايَاتٍ وَهَذَا اللَّفْظُ رِوَايَةُ الْحَاكِم وَقَدْ صَحَّحَهَا هُوَ وَغَيْرُهُ، وَأَنْ يَجْعَلَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ.

   وَيُسَنُّ إِذَا أَرَادَ النُّهُوضَ لِرَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ جَلْسَةٌ خَفِيفَةٌ بِقَدْرِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَلَوْ تَرَكَهَا الإِمَامُ فَعَلَهَا الْمَأْمُومُ لِقِصَرِ زَمَنِهَا.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الثَّالِثَ عَشَرَ الْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ الأَخِيرِ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالسَّلامِ.

الرَّابِعَ عَشَرَ التَّشَهُّدُ الأَخِيرُ فَيَقُولُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ أَقَلَّهُ وَهُوَ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاةِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثَ عَشَرَ الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ الأَخِيرِ وَمَا بَعْدَهُ وَللتَّشَهُّدِ أَقَلُّ وَأَكْمَلُ، فَأَقَلُّهُ الَّذِي لا تَصِحُّ الصَّلاةُ بِدُونِهِ «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، سَلامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ»، وَيَكْفِي عِنْدَ شَمْسِ الدِّينِ الرَّمْلِيِّ «وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ» بِالضَّمِيرِ.

   وَأَكْمَلُهُ «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ»، هَذَا التَّشَهُّدُ اخْتَارَهُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ مِنْ بَيْنِ أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاخْتَارَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ هَذَا اللَّفْظَ وَهُوَ «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، وَاخْتَارَ مَالِكٌ لَفْظًا ءَاخَرَ وَهُوَ تَشَهُّدُ عُمَرَ أَيِ الَّذِي عَلَّمَهُ عُمَرُ النَّاسَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ مِمَّا نُقِلَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ عَنْهُ وَهُوَ «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ…إِلَخ»، وَكُلٌّ مِنَ الصِّيَغِ الثَّلاثِ مُجْزِئٌ.

   وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ صِيغَةُ التَّشَهُّدِ السَّلامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلامُ عَلَى مِيكَائِيلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلامُ» وَعَلَّمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا «السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ]، فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَصَلَ فِي عُرُوجِهِ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي سَمِعَ فِيهِ خِطَابَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» فَقَالَ اللَّهُ «السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ» غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ تُفْرَضْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ هَذِهِ الصِّيغَةُ، إِنَّمَا يَرْوِي بَعْضُ الرُّوَاةِ الْكَذَّابِينَ تِلْكَ الْقِصَّةَ، وَقَدْ نَالَتْ مَعَ كَوْنِهَا مَكْذُوبَةً عَلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ شُهْرَةً كَبِيرَةً فَيَجِبُ بَيَانُ ذَلِكَ لِلنَّاسِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْخَامِسَ عَشَرَ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَلُّهَا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ.

   الشَّرْحُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ تَعْيِينَ هَذَا اللَّفْظِ بِحُرُوفِهِ بِحَيْثُ لا يَجُوزُ إِبْدَالُ كَلِمَةٍ مِنْهُ بِغَيْرِهَا، وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ الشَّافِعِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَبْدَلَ اللَّهُمَّ صَلِّ بِصَلَّى اللَّهُ، أَوْ أَبْدَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ بِعَلَى رَسُولِ اللَّهِ، أَوْ عَلَى رَسُولِهِ، أَوْ أَبْدَلَ لَفْظَ مُحَمَّدٍ بِالنَّبِيِّ أَجْزَأَ ذَلِكَ، بِخِلافِ مَا لَوْ أَبْدَلَ مُحَمَّدًا بِأَحْمَدَ فَإِنَّهُ لا يُجْزِئُ، أَوْ أَبْدَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ بِعَلَيْهِ بِالضَّمِيرِ فَإِنَّهُ لا يُجْزِئُ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْدَلَ مُحَمَّدًا بِالرَّسُولِ فَإِنَّهُ لا يُجْزِئُ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: السَّادِسَ عَشَرَ السَّلامُ وَأَقَلُّهُ «السَّلامُ عَلَيْكُمْ».

   الشَّرْحُ مِنْ شُرُوطِ إِجْزَاءِ السَّلامِ الإِتْيَانُ بِأَلْ فَلا يَكْفِي سَلامٌ عَلَيْكُمْ، وَكَذَلِكَ لا يَكْفِي إِبْدَالُ كَلِمَةِ عَلَيْكُمْ بِعَلَيْكَ بِدُونِ الْمِيمِ.

   وَالْمُوَالاةُ بَيْنَ كَلِمَتَيْهِ.

   وَأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ.

   وَكَوْنُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِصَدْرِهِ إِلَى تَمَامِهِ وَذَلِكَ بِالإِتْيَانِ بِمِيمِ عَلَيْكُمْ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أَلْ وَالتَّنْوِينِ أَجْزَأَ ذَلِكَ، أَوْ زَادَ وَاوًا فَقَالَ السَّلامُو عَلَيْكُمْ أَوْ أَتَى بِحَرْفِ الْعَطْفِ [أَيْ قَبْلَ السَّلامِ] فَقَالَ وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ أَجْزَأَ ذَلِكَ.

   أَمَّا أَكْمَلُهُ فَيَحْصُلُ بِزِيَادَةِ «وَرَحْمَةُ اللَّهِ» [أَخْرَجَ الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ]، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ زِيَادَةَ «وَبَرَكَاتُهُ» وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي التَّسْلِيمَةِ الأُولَى.

   وَتُسَنُّ تَسْلِيمَةٌ ثَانِيَةٌ وَإِنْ تَرَكَهَا الإِمَامُ، هَذَا إِذَا لَمْ يَعْرِضْ مَعَهَا أَوْ قَبْلَهَا مُبْطِلٌ كَحَدَثٍ وَإِلَّا حَرُمَتِ الزِّيَادَةُ.

   وَالْفَصْلُ بَيْنَ التَّسْلِيمَتَيْنِ بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ.

   وَالِابْتِدَاءُ بِهِ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ.

   وَالِالْتِفَاتُ فِي الأُولَى إِلَى الْجَانِبِ الأَيْمَنِ بِحَيْثُ يَرَى مَنْ عَلَى جَانِبِهِ.

   وَالِالْتِفَاتُ فِي الثَّانِيَةِ إِلَى الْجَانِبِ الأَيْسَرِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: السَّابِعَ عَشَرَ: التَّرْتِيبُ.

   الشَّرْحُ أَيْ لِأَرْكَانِهَا كَمَا ذُكِرَ فِي تَعْدَادِهَا وَقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى قَرْنِ النِّيَّةِ فِي التَّكْبِيرِ بِالْقِيَامِ فِي الْفَرْضِ لِلْمُسْتَطِيعِ، وَإِيقَاعِ الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ، وَإِيقَاعِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ فِي الْقُعُودِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ كَأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ بَطَلَتْ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ التَّرْتِيبِ بِأَنْ قَدَّمَ رُكْنًا قَوْلِيًّا هُوَ السَّلامُ أَوْ رُكْنًا فِعْلِيًّا مُطْلَقًا فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ، وَذَلِكَ كَأَنْ يَسْجُدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ فَتَبْطُلُ صَلاتُهُ إِجْمَاعًا لِتَلاعُبِهِ، بِخِلافِ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ غَيْرِ السَّلامِ عَلَى قَوْلِيٍّ أَوْ فِعْلِيٍّ فَلا تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِهِ لَكِنْ لا يُحْسَبُ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَحَلِّهِ.

   وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ التَّشَهُّدَ الأَخِيرَ فِي الْقِيَامِ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَيْنَ السُّجُودَيْنِ لَمْ تَفْسُدْ صَلاتُهُ لَكِنْ لا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّشَهُّدِ فِي مَحَلِّهِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِنْ سَهَا فَلْيَعُدْ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مِثْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَتَتِمُّ بِهِ رَكْعَتُهُ وَلَغَا مَا سَهَا بهِ فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ تَرْكَهُ لِلرُّكُوعِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ رَكَعَ فِي الْقِيَامِ الَّذِي بَعْدَهُ أَوْ فِي السُّجُودِ الَّذِي بَعْدَهُ لَغَا مَا فَعَلَهُ بَيْنَ ذَلِكَ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ سَهْوًا ثُمَّ ذَكَرَ الْمَتْرُوكَ فَمَا فَعَلَهُ بَعْدَهُ لَغْوٌ أَيْ لا يُحْسَبُ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي مَحَلِّهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ فَوْرًا مُحَافَظَةً عَلَى التَّرْتِيبِ، وَهَذَا إِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ فِي مِثْلِهِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ وَقَدْ صَارَ فِي مِثْلِهِ تَمَّتْ بِهَذَا رَكْعَتُهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا تَذَكَّرَ وَهُوَ فِيمَا بَعْدَ مِثْلِ الْمَتْرُوكِ فَتَتِمُّ رَكْعَتُهُ بِمَا فَعَلَ وَيُلْغِي مَا بَيْنَهُمَا. وَهَذَا الْحُكْمُ فِي غَيْرِ الْمَأْمُومِ أَمَّا الْمَأْمُومُ فَلا يَعُودُ لَهُ بَلْ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلامِ إِمَامِهِ.

   وَقَوْلُهُ «وَلَغَا مَا سَهَا بِهِ» يَشْمَلُ مَا لَوْ تَرَكَ نَاسِيًا الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ثُمَّ أَتَى بِهِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَتَذَكَّرَ أَنَّهُ أَتَى بِهِ بِقَصْدِ أَنَّهُ جِلْسَةُ اسْتِرَاحَةٍ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنِ الْجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، أَمَّا لَوْ أَتَى بِسَجْدَةِ التِّلاوَةِ بَعْدَ الْجُلُوسِ الْمَتْرُوكِ سَهْوًا ثُمَّ تَذَكَّرَ لَمْ يُجْزِئْهُ. هَذَا إِنْ عَرَفَ عَيْنَ الْمَتْرُوكِ وَمَحَلَّهُ وَإِلَّا أَخَذَ بِالْيَقِينِ وَأَتَى بِالْبَاقِي [وَإِنْ تَرَكَ رُكْنًا وَلَمْ يَعْلَمْ مَا هُوَ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الشَّكِّ]، نَعَمْ إِنْ جَوَّزَ أَنَّ مَتْرُوكَهُ النِّيَّةُ أَوْ تَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ بَطَلَتْ صَلاتُهُ وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ مِنَ الصَّلاةِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِعَادَتُهَا. فَمَنْ شَكَّ بَعْدَ السَّلامِ هَلْ نَوَى الظُّهْرَ أَمْ غَيْرَهَا أَوْ شَكَّ هَلْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ أَمْ لا يُعِيدُ تِلْكَ الصَّلاةَ.

   فَائِدَةٌ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ جُمْهُورِ الأَئِمَّةِ أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بِالأَقَلِّ، وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ لازَمَهُ الشَّكُّ بِأَنْ يَأْتِيَهُ كُلَّ يَوْمٍ فِي صَلاةٍ أَوْ أَكْثَرَ لا يَجُوزُ لَهُ الأَخْذُ بِالأَقَلِّ بَلْ يَأْخُذُ بِخِلافِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَهُ فِي الْوُضُوءِ وَفِي ذَلِكَ فُسْحَةٌ كَبِيرَةٌ لِلْمُبْتَلِينَ بِشِدَّةِ الْوَسْوَسَةِ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ دَوَاءٌ شَافٍ لَهُمْ فَمَنْ أَرَادَ الْعَمَلَ بِذَلِكَ فَلْيَتَعَلَّمْ ضَرُورِيَّاتِ الصَّلاةِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ وَمَا عَلَيْهِ مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ عِنْدَهُمْ كَالدَّلْكِ وَالْمُوَالاةِ فِي الْغَسْلِ، وَلا يَمْنَعُهُ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ بِوُجُوبِ الدَّلْكِ وَالْمُوَالاةِ عِنْدَهُمْ مِنَ الأَخْذِ بِذَلِكَ التَّخْفِيفِ لِأَنَّ الدَّلْكَ عِنْدَهُمْ فِيهِ قَوْلٌ بِسُنِّيَّتِهِ وَأَنَّ التَّعْمِيمَ يَكْفِي. فَالَّذِي يَسْتَصْعِبُ مَذْهَبَ مَالِكٍ لِأَجْلِ الدَّلْكِ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ لِيَأُخَذْ بِالْقَوْلِ الآخَرِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الدَّلْكَ لَيْسَ فَرْضًا لِعَيْنِهِ إِنَّمَا الْمَقْصُودُ اسْتِيعَابُ الْمَوْضِعِ بِوُصُولِ الْمَاءِ إِلَيْهِ. بَعْضُ الْمُوَسْوِسِينَ يَلْقَوْنَ شِدَّةً مِنَ الْوَسْوَسَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ إِنَّ بَعْضَ الْمُوَسْوِسِينَ فِي مِصْرَ ذَهَبَ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ فِي النِّيلِ ثُمَّ بَقِيَ فِيهِ إِلَى الْغُرُوبِ ثُمَّ قَالَ الْيَوْمَ مَا صَحَّ لِي غُسْلٌ غَدًا أَعُودُ أُصَحِّحُ الْغُسْلَ. هَؤُلاءِ يَلْقَوْنَ ضَرَرًا كَبِيرًا فَلْيَأْخُذْ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ.

   مَسْئَلَةٌ مُهِمَّةٌ الشَّكُّ فِي هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ كَالتَّذَكُّرِ فَلَوْ رَكَعَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَمْ لا أَوْ شَكَّ وَهُوَ سَاجِدٌ هَلْ رَكَعَ وَاعْتَدَلَ أَمْ لا قَامَ فَوْرًا وُجُوبًا وَلا يَكْفِيهِ لَوْ قَامَ رَاكِعًا، وَأَمَّا مَنْ شَكَّ وَهُوَ قَائِمٌ هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَمْ لا فِي رَكْعَتِهِ هَذِهِ فَلا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ فَوْرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَحَلِّهَا لَكِنْ لا بُدَّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ إِنْ لَمْ يَزُلْ شَكُّهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَيَتَيَقَّنْ أَنَّهُ كَانَ قَرَأَهَا.

   هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَرْضِ، وَأَمَّا نَوَافِلُ الصَّلاةِ فَهِيَ كَثِيرَةٌ وَمِنْ أَفْضَلِهَا الْوِتْرُ وَيَحْصُلُ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ أَقَلَّهُ ثَلاثُ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَهِيَ رَاتِبَةُ الصُّبْحِ، ثُمَّ سَائِرُ الرَّوَاتِبِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ التَّرَاوِيحُ وَالضُّحَى وَصَلاةُ الْحَاجَةِ وَسُنَّةُ الْوُضُوءِ وَالتَّحِيَّةُ.

   فَائِدَةٌ اسْمُ التَّرَاوِيحِ خَاصٌّ بِقِيَامِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً لا أَقَلَّ وَلا أَكْثَرَ أَمَّا قِيَامُ رَمَضَانَ فَلَيْسَ لَهُ حَدٌّ فَمَنْ نَوَى التَّرَاوِيحَ يُكْمِلُ عِشْرِينَ رَكْعَةً أَمَّا مَنْ نَوَى قِيَامَ رَمَضَانَ فَيَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْنِ وَبِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَبِسِتِّ رَكَعَاتٍ وَبِثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَبِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ. وَكَلِمَةُ التَّرَاوِيحِ هَذِهِ مُسْتَحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً أَيَّامَ الصَّحَابَةِ إِنَّمَا الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ قِيَامُ رَمَضَانَ. بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَقُولُونَ لا تَصِحُّ التَّرَاوِيحُ إِلَّا بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَهَذَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ إِذَا نَوَى سُنَّةَ التَّرَاوِيحِ لا يَصِحُّ هَذَا إِلَّا بِهَذَا الْعَدَدِ أَمَّا مَنْ لَمْ يَنْوِ التَّرَاوِيحَ وَنَوَى قِيَامَ رَمَضَانَ فَيَكْفِي أَقَلُّ مِنْ عِشْرِينَ وَأَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ. نُقِلَ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «لا عَدَدَ لِرَكَعَاتِ قِيَامِ رَمَضَانَ فَمَا كَانَ أَقَلَّ عَدَدًا وَأَطْوَلَ قِيَامًا أَحَبُّ إِلَيَّ» اهـ. فَعِنْدَهُ لَوْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ وَأَطَالَ الْقِيَامَ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ عَشَرَ رَكَعَاتٍ أَوْ عِشْرِينَ رَكْعَةً مَعَ تَخْفِيفِ الْقِيَامِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ سِتًّا وَثَلاثِينَ رَكْعَةً تَعْوِيضًا لِمَا يَفُوتُهُمْ مِنَ الطَّوَافِ بِالْكَعْبَةِ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ. أَهْلُ مَكَّةَ كَانُوا يَطُوفُونَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ. فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ لَيْسَ لَهُ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ. ثُمَّ تَسْمِيَةُ التَّرَاوِيحِ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَجْلِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا يَسْتَرِيْحُونَ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بِالطَّوَافِ، الطَّوَافُ يَعْتَبِرُونَهُ رَاحَةً، لِأَنَّهُمْ يُطِيلُونَ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلاةِ فَيَسْتَرِيْحُونَ بِالطَّوَافِ لِيَسْتَعِيدُوا النَّشَاطَ. وَأَمَّا صَلاةُ الْحَاجَةِ فَهِيَ الصَّلاةُ الَّتِي عَلَّمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ الأَعْمَى الَّذِي جَاءَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ بَصَرِي قَالَ «إِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ» قَالَ إِنَّهُ شَقَّ عَلَيَّ ذَهَابُ بَصَرِي وَلَيْسَ لِي قَائِدٌ فَقَالَ لَهُ «ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي – وَتُسَمِّي حَاجَتَكَ – لِتُقْضَى لِي» ذَكَرَ ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى التِّرْمِذِيِّ، وَالْحَدِيثُ إِلَى ءَاخِرِهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ [فِي دَلائِلِ النُّبُوَّةِ] وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَفِي رِوَايَتِهِ زِيَادَةٌ ثَابِتَةٌ وَهِيَ: أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ لَقِيَ عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي كَانَ حَاضِرًا عِنْدَمَا جَاءَ الأَعْمَى رَسُولَ اللَّهِ فَشَكَى إِلَيْهِ الْعَمَى، فَشَكَى الرَّجُلُ إِلَى عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ أَنَّهُ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بنُ حُنَيْفٍ ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ إِلَى ءَاخِرِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ وَرُحْ إِلَيْهِ حَتَّى أَرُوحَ مَعَكَ فَذَهَبَ الرَّجُلُ إِلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ فَأَدْخَلَهُ الْبَوَّابُ فَأَجْلَسَهُ عَلَى طِنْفِسَةِ عُثْمَانَ فَقَضَى لَهُ عُثْمَانُ حَاجَتَهُ وَقَالَ لَهُ مَا ذَكَرْتُ حَاجَتَكَ حَتَّى كَانَتْ هَذِهِ السَّاعَةُ فَمَا كَانَ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ فَأْتِنَا. ثُمَّ لَقِيَ الرَّجُلُ عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ فَقَالَ لَهُ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا مَا كَانَ يَنْظُرُ فِي حَاجَتِي حَتَّى كَلَّمْتَهُ فِيَّ فَقَالَ مَا كَلَّمْتُهُ فِيكَ وَلَكِنِّي شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ جَاءَهُ أَعْمَى فَشَكَا لَهُ ذَهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ لَهُ «ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ» إِلَى ءَاخِرِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ اهـ يَعْنِي الْمَجْمُوعَ مِنَ الْمَرْفُوعِ وَالْمَوْقُوفِ. فَلا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَطَفِّلِينَ عَلَى الْمُحَدِّثِينَ إِنَّ الْمَوْقُوفَ غَيْرُ صَحِيحٍ [الْمُرَادُ بِهَذَا نَاصِرُ الدِّينِ الأَلْبَانِيُّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَصِيبٌ فِي مَرَاتِبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ لا هُوَ مُسْنِدٌ وَلا هُوَ مُحَدِّثٌ. مَنْ كَانَ مِثْلَهُ يُسَمَّى صُحُفِيًّا. الأَلْبَانِيُّ يَقُولُ الَّذِي حَصَلَ لِلأَعْمَى صَحِيحٌ أَمَّا الَّذِي حَصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُنْكَرٌ. هَذَا الرَّجُلُ خَبِيثٌ يُضَعِّفُ مَا صَحَّحَهُ الْحُفَّاظُ عَلَى حَسَبِ هَوَاهُ]، وَذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ يُطْلَقُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ عَلَى الْمَرْفُوعِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الرَّسُولِ وَالْمَوْقُوفِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَالسُّيُوطِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَأَمَّا مَا عُرِفَ بِصَلاةِ الْحَاجَةِ غَيْرُ هَذِهِ فَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ كَمَا ذَكَرَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ زَيْنُ الدِّينِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ قَالَ إِنَّ صَلاةَ الْحَاجَةِ الصَّحِيحَةَ هِيَ هَذِهِ.

   تَنْبِيهٌ سُنَنُ الصَّلاةِ قِسْمَانِ سُنَنٌ تَتَقَدَّمُهَا وَسُنَنٌ تَكُونُ فِي ضِمْنِهَا، فَمِنَ السُّنَنِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ وَهُمَا مَشْرُوعَانِ لِلْفَرِيضَةِ فَقَطْ، قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: مَنْ صَلَّى بِلا أَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَةٌ، وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ مَنْ نَسِيَ الأَذَانَ يُعِيدُ الصَّلاةَ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ اهـ، وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا صَلَّى بِغَيْرِ إِقَامَةٍ وَإِنْ تَعَمَّدَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلا شَىْءَ عَلَيْهِ اهـ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ [فِي الأَوْسَطِ] الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ وَاجِبَانِ عَلَى كُلِّ جَمَاعَةٍ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ أَمْرُهُ بِالأَذَانِ وَأَمْرُهُ عَلَى الْفَرْضِ وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي مَكَّةَ وَأَمَرَ بِلالًا بِالأَذَانِ، وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الأَذَانِ اهـ.

   وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُقِيمُ لِنَفْسِهَا وَلِلنِّسَاءِ وَلا يُنْدَبُ لَهَا الأَذَانُ لِنَفْسِهَا وَلا لِلنِّسَاءِ فَإِنْ أَذَّنَتْ سِرًّا لَمْ يُكْرَهْ وَمَعْنَى السِّرِّ بِحَيْثُ لا تُسْمِعُ مَنْ حَوْلَهَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ [فِي الأَوْسَطِ] «لَيْسَ عَلَى مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ وَهُوَ جُنُبٌ إِعَادَةٌ لِأَنَّ الْجُنُبَ لَيْسَ بِنَجِسٍ، لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُذَيْفَةُ فَأَهْوَى إِلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي جُنُبٌ فَقَالَ «إِنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ بِنَجِسٍ» [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ] انْتَهَى أَيْ كَلامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ.

   وَأَمَّا السُّنَنُ الَّتِي ضِمْنَ الصَّلاةِ فَكَثِيرَةٌ مِنْهَا الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ فِي اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَفِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَحْصُلُ بِكُلِّ دُعَاءٍ بِخَيْرٍ، وَتُسَنُّ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَى ءَالِهِ بَعْدَهُ.

   فَائِدَةٌ ذَكَرَ أَبُو زُرْعَةَ الْعِرَاقِيُّ فِي نُكَتِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ وَالْحَاوِي وَالتَّنْبِيهِ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ ءَايَةً نَاوِيًا بِهَا الْقُنُوتَ وَهِيَ دُعَاءٌ أَوْ تُشْبِهُ الدُّعَاءَ كَآخِرِ الْبَقَرَةِ أَجْزَأَتْ مِنَ الْقُنُوتِ وَإِنْ لَمْ تُشْبِهِ الدُّعَاءَ كَسُورَةِ ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ [سُورَةَ الْمَسَد/1] فَوَجْهَانِ.

   وَبَقِيَتْ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ.

   فَائِدَةٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ نُورِدُ هُنَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِهِ الأَوْسَطِ قَالَ مَا نَصُّهُ:

«ذِكْرُ أَذَانِ النِّسَاءِ وَإِقَامَتِهِنَّ

   وَاخْتَلَفُوا فِي أَذَانِ النِّسَاءِ وَإِقَامَتِهِنَّ فَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ.

   حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنِ ابْنِ عَجْلانَ عَنْ وَهْبِ بنِ كَيْسَانَ قَالَ سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ فَغَضِبَ وَقَالَ أَنَا أَنْهَى عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ.

   وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ كُلَّمَا صَلَّيْنَ أَذَّنَّ وَأَقَمْنَ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلا إِقَامَةٌ وَلَأَنْ تُقِيمَ أَحَبُّ إِلَيْنَا.

   وَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَلَيْهِنَّ إِقَامَةٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَالأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ أَذَانٌ.

   وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ أَتُقِيمُ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ نَعَمْ. حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سُئِلَ أَتُقِيمُ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ نَعَمْ.

   وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلا إِقَامَةٌ كَذَلِكَ قَالَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ أَنَسٌ إِنْ فَعَلْنَ فَهُوَ ذِكْرٌ.

   حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْتَمرُ بنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سُئِلَ أَنَسٌ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ؟ قَالَ لا وَإِنْ فَعَلْنَ فَهُوَ ذِكْرٌ.

   حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ هِشَامٍ عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ قَالا لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلا إِقَامَةٌ.

   حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الْعمرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ.

   وَمِمَّنْ قَالَ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلا إِقَامَةٌ سَعِيدُ بنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ الْبِصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالنُّعْمَانُ وَيَعْقُوبُ [يَعْقُوبُ هَذَا الْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ يُعَدُّ مُجْتَهِدًا] وَمُحَمَّدٌ فَقَالَ مَالِكٌ وَإِنْ أَقَامَتْ فَحَسَنٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ جَمَعْنَ وَأَذَّنَّ وَأَقَمْنَ فَلا بَأْسَ [مَعْنَاهُ إِنْ كُنَّ جَمَاعَةً لا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَّ وَيُقِمْنَ وَلا يَحْرُمُ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ تَحْرِيمِ الأَذَانِ عَلَى الْمَرْأَةِ فَهُوَ إِذَا كَانَ كَمَا يُؤَذِّنُ الرِّجَالُ].

   قَالَ أَبُو بَكْرٍ – أَيِ ابْنُ الْمُنْذِرِ – الأَذَانُ ذِكْرٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَلا بَأْسَ أَنْ تُؤَذِّنَ الْمَرْأَةُ وَتُقِيمَ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فِي هَذَا الْبَابِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بنُ جُمَيْعٍ قَالَ حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ ابْنَةِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيِّ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا وَيُسَمِّيهَا الشَّهِيدَةَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ فِي دَارِهَا وَكَانَ لَهَا مُؤَذِّنٌ [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ]» انْتَهَى كَلامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ [فِي حَضْرَمَوْتَ النِّسَاءُ يُؤَذِّنُ لَهُنَّ رَجُلٌ ثُمَّ يَذْهَبُ ثُمَّ يُصَلِّينَ].

   فَفِي مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ دَلِيلُ إِبَاحَةِ الأَذَانِ لِلْمَرْأَةِ وَظَاهِرُ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إِنْ جَهَرَتِ الْمَرْأَةُ بِالأَذَانِ فَوْقَ مَا تُسْمِعُ صَوَاحِبَهَا مَعَ وُجُودِ أَجْنَبِيٍّ هُنَاكَ يَسْمَعُهَا حَرُمَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لإِطْلاقِ لَفْظِ الشَّافِعِيِّ.