شبهة المجسمة حول عبد الله الجدلي

شبهة المجسمة حول عبد الله الجدلي

قال الإمام عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد و الرقائق : “أخبرنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الله الجدلي قال: «ما رفع رأسه إلى السماء حتى مات، حياء من ربه» يعني داود ﷺ . انتهى

هذا الحديث احتج به بعض المجسمة للقول بأن الله عز وجل في جهة فوق والعياذ بالله.

والجواب على هذا الادعاء أن يقال:

1- أولا: إن الله تعالى غنيٌّ عن العالمين، أي هو مستغن عن كلّ ما سواه أزلا وأبدًا، فلا يحتاجُ إلى مكان يقومُ به أو شىء يحُلُّ به أو إلى جهة، ويكفي في تنزيه الله عن المكان والحيّز والجهة قوله تعالى “ليس كمثله شىء” -سورة الشورى: 11- ، فلو كان له مكان لكان له أمثالٌ وأبعادٌ طولٌ وعرضٌ وعمقٌ، ومن كان كذلك كان محدَثًا محتاجًا لمن حدَّه بهذا الطول وبهذا العرض وبهذا العمق، وهذا الدليل من القرءان.

أما من الحديث فما رواه البخاري وابن الجارود والبيهقي بالإسناد الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كان الله ولم يكن شىء غيره”، ومعناه أن الله لم يزل موجودًا في الأزل ليس معه غيرُهُ لا ماءٌ ولا هواءٌ ولا أرضٌ ولا سماءٌ ولا كرسيٌّ ولا عرش ولا إنسٌ ولا جنٌّ ولا ملائكةٌ ولا زمانٌ ولا مكانٌ، فهو تعالى موجودٌ قبل المكان بلا مكان، وهو الذي خلق المكان فليس بحاجة إليه، وهذا ما يستفاد من الحديث المذكور.

وقال البيهقيُّ في كتابه الأسماء والصفات ما نصه: “استدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” أنت الظاهرُ فليس فوقكَ شىءٌ وأنت الباطنُ فليس دونكَ شىءٌ”، وإذا لم يكنْ فوقَهُ شىءٌ ولا دونَهُ شىءٌ لم يكنْ في مكانٍ”. انتهى

وليس محور الاعتقاد على الوهم بل على ما يقتضيه العقلُ الصحيحُ السليمُ الذي هو شاهدٌ للشرع، وذلك أنَّ المحدودَ محتاجٌ إلى من حدَّه بذلك الحد فلا يكون إلهًا، فكما صحَّ وجودُ الله تعالى بلا مكانٍ وجهةٍ قبل خلقِ الأماكن والجهات فكذلك يصحُّ وجوده بعد خلق الأماكن بلا مكانٍ وجهةٍ، وهذا لا يكون نفيًا لوجوده تعالى كما يزعم هؤلاء الذين قاسوا الخالق على المخلوق.

ثم إن الجهات كلها لا تقتضي الكمال في حد ذاتها، لأن الشأن ليس في علو المكان بل الشأن في علو القدر، إذ قد يختص الشخص من البشر بالمكان العالي ومن هو أعلى منه قدرًا يكون في المكان المنخفض ويحصل ذلك للسلاطين فإن حرسهم يكونون في مكان عال وهم أسفلَ منهم فلم يكن في علو الجهة وعلو المكان شأن من أصله.وليعلم أيضا أن المسلمين يرفعون أيديهم في الدعاء للسماء ليس لأن الله متحيز في جهة السماء، بل لأن السماء قبلة الدعاء ومهبط الرحمات والبركات كما أننا نستقبل الكعبة في الصلاة وليس لأن الله فيها بل لأن الكعبة قبلة الصلاة.

بل ثبت أن النبي محمد صلى الله عليه و سلم نهى أيضا عن مد البصر إلى جهة الأمام في الصلاة، وهذا لا يعني أن الله في جهة الأمام أو في جهة القبلة.

2-ثانيا:

عبد الله الجدلي لم يقل أصلا أن داود ما رفع رأسه للسماء لأن الله في جهة السماء، بل هذا ما فهمه هؤلاء المشبهة من الحديث. فداود عليه السلام كان من شدة خشيته لله كان يخاف ان يرسل الله عليه عقابا من السماء. ولما كانت السماء أيضا مهبط الرحمات و المغفرة، كان داود لا يرفع عينيه إليها حياء من ربه لنعمه الكثيرة عليه في مقابل ما ارتكبه من خطيئة.

ثم إن المذنب قد ينظر لشخص الذي أذنب في حقه و لا يستطيع أن ينظر للناس من حوله لأن الحياء من الناس قد يكون أشد و الخوف من الفضيحة منهم أكبر.

ملاحظة: كتاب الزهد و الرقائق رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي نُسْخَتِهِ و فيها زيادات عَلَى مَا رَوَاهُ الْمَرْوَزِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ.

https://www.facebook.com/profile/100064276766544/search/?q=%D8%AA%D9%86%D8%B2%D9%8A%D9%87

https://www.facebook.com/photo/?fbid=742908777861674&set=a.468932008592687&__cft__[0]=AZWPxFscClqj27VlgEqdRxGp28xkc1FVBcrZG3qBQwLXVDBxY3Uy6poOJzL5SUVBPmAsjwh-8C1aZyhys6WFjqYnk-S1zHc4vH8aOuvrxib_AtbOfxBMxoOnvLqKNijtoLrPU8JYk5504KuXSvsbenzHYSAIzjEYJJGuJM3E_166Oycm6s_DXYvryZnx-x2bewU&__tn__=EH-R