مسألة القول بحلول الحوادث في ذات الله. أحمد بن تيمية الحراني

مسألة القول بحلول الحوادث في ذات الله.

تعد مسألة الصفات الاختيارية، والتي تُعرف بمسألة «حلول الحوادث في ذات الله»، من أشنع المسائل المنسوبة لأبي العباس أحمد بن تيمية الحراني.

وقد خالف ابن تيمية في ذلك مذهب أهل السنة و الجماعة و كبار أئمة الحنابلة، ممن لهم ثقلٌ في المذهب. و جعل الاقرار بالصفات الاختيارية من تمام حمد الله.

و قد نسب ابن تيمية القول بابطال بعض أدلة نفي قيام الحوادث بذات الله، للفخر الرازي والٱمدي، فقال في مجموع الفتاوى:” فَصْــل، وفحول النظار كأبي عبد الله الرازي، وأبى الحسن الآمدي وغيرهما، ذكروا حجج النفاة لحلول الحوادث وبينوا فسادها كلها‏”. انتهى

مع اننا نجد الفخر ينقل أدلة المعارضين ولا يتبناها، فجعل ابن تيمية ما ينقله الرازي في كتبه عن خصومه، قائلا به، وناصرا له و لازما لمذهبه.

وأما سيف الدين الآمدي، فهو القائل في كتاب غاية المرام في علم الكلام: « فالرأي الحق والسبيل الصدق والأقرب إلى التحقيق أن يقال: لو جاز قيام الحوادث به لم يخل عند اتصافه بها إما أن توجب له نقصًا أو كمالا أو لا نقص ولا كمال، لا جائر أن يقال بكونها غيرَ موجبة للكمال ولا النقصان فان وجود الشىء بالنسبة إلى نفسه أشرف له من عدمه، فما اتصف بوجود الشىء له وهو مما لا يوجب فوات الموصوف ولا فوات كمال له، وبالجملة لا يوجب له نقصًا فلا محالة أن اتصافه بوجود ذلك الوصف له أولى من اتصافه بعدمه لضرورة كون العدم في نفسه مشروفا بالنسبة إلى مقابله من الوجود، والوجود أشرف منه، وما اتصف بأشرف الأمرين من غير أن يوجب له في ذاته نقصًا تكون نسبة الوجود إليه مما يرجع إلى النقص والكمال على نحو نسبة مقابله من العدم، ولا محالة من كانت نسبته إلى ذلك وجود ذلك الوصف أشرف منه بالنسبة إلى عدمه، ولا جائز أن يقال : إنها موجبة لكماله، وإلا لوجب قدمها لضرورة أن لا يكون البارىء ناقصًا محتاجًا إلى ناحية كمال في حال عدمها، فبقي أن يكون اتصافه بها مما يوجب القول بنقصه بالنسبة إلى حاله قبل أن يتصف بها، وبالنسبة إلى ما لم يتصف بها من الموجودات، ومحال أن يكون الخالق مشروفًا أو ناقضا بالنسبة إلى المخلوق، ولا من جهة ما كما مضى » انتهـى

بل تجاوز ابن تيمية ذلك إلى تصريحه بمخالفةِ آبائه في هذه المسألة – وهم كبار علماء الحنبلية- بعد أن كان يقول بقولهم، ومنهم والده الشيخ شهاب الدين عبد الحليم المتوفى سنة 682 هـجري، وجدّه الشيخ مجد الدين عبد السلام بن تيمية المتوفى سنة 652 هـجري. بل وخالف ابن تيمية في هذه المسألة أيضا بعض مجسمة الحنابلة كالقاضي أبي يعلى الفراء المتوفى سنة 458هـجري وأبي الحسن بن الزاغوني المتوفى سنة 527هـجري.

كما ان ابن تيمية في هذه المسألة قد ناقض نفسه، لأنه ثبت عنه أنه كان يقرر قاعدة ” لا اجتهاد في القطعيات” كما هو مسطور في مسودة ٱل تيمية التي نقلها تلميذ أبي العباس.

راجع الرابط التالي:

ومعلوم ان تنزيه الله عن قيام الحوادث بذاته عز وجل من ضرورات الدين، و القول بخلافه شناعة من أقبح الشناعات، لكن ابن تيمية قلب هذه القواعد الأصولية وجعل مخالفته لأصول العقائد من المخالفات الواجبةِ عليه، والعياذ بالله، فقد قال في مجموع الفتاوى : «ولكن هذه المسألة – أي مسألة الصفات الاختيارية- ومسألة الزيارة وغيرهما حدث من المتأخرين فيها شُبَه، وأنا وغيري كنا على مذهب الآباء في ذلك نقول في الأصلين، بقول أهل البدع، فلما تبين لنا ما جاء به الرسول دار الأمر بين أن نتبع ما أنزل الله أو نتبع ما وجدنا عليه آباءنا فكان الواجب هو اتباع الرسول؛ وأن لا نكون ممن قيل فيه: “وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا” -لقمان: 21-، وقد قال تعالى: “قَالَ أَوَ لَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ” -الزخرف: 24-، وقال تعالى: “وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إلَيَّ الْـمَصِيرُ -14 – وَإن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إلَيَّ” -لقمان: 15-.

فالواجب اتباع الكتاب المنزل، والنبي المرسل، وسبيل من أناب إلى الله، فاتَّبَعنا الكتاب والسنة كالمهاجرين والأنصار، دون ما خالف ذلك من دين الآباء وغير الآباء، والله يهدينا وسائر إخواننا إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً». انتهى

فكأن ابن تيمية غمز هنا والده وجدّه اللذان ينزهان الله عن قيام الحوادث بذاته، و يقولان بمشروعية الزيارة.

ويكفي في بيان جلال قدر الشيخ مجد الدين ما قاله عنه حفيده ابن تيمية نفسه: ” كان جدنا عجباً في حفظ الأحاديث وسردها بلا كلفة، وحفظ مذاهب الناس”. انتهى

وقال عنه الذهبي: “الشيخ الإمام العلامة، فقيه العصر، شيخ الحنابلة…”. انتهى

ونقل الذهبي أيضاً أنه قيل فيه: ” أُلين للشيخ المجد الفقه، كما أُلين لداود الحديد”.

وقال المؤرخ ابن صلاح الكتبي: “كان مجد الدين إماماً حجةً بارعاً في الفقه والحديث، وله يد طولى في التفسير، ومعرفة تامة في الأصول، والإطلاع على مذاهب الناس، وله ذكاء مفرط، ولم يكن في زمانه مثله”. انتهى

فالتمايز إذنْ بين مقالة ابن تيمية ومقالة غيره من أئمة الحنبلية في الاعتقاد هو أمرٌ أقر به ابن تيمية نفسه، وظاهر كلام ابن تيمية أنه اعتقاد توصل إليه من كيسه، لا أنه أخذه عن السلف بالسند المتصل، بل هو فهمه الخاص لظاهر بعض العبارات لا غير.

وهذا ما أكده أبو الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي في السيف الصقيل، حيث قال: “ثم جاء رجل في آخر المائة السابعة رجل له فضل وذكاء، واطلاع ولم يجد شيخاً يهديه، وهو على مذهبهم، وهو جسور متجرد لتقرير مذهبه، ويجد أموراً بعيدة فبجسارته يلتزمها، فقال بقيام الحوادث بذات الله الرب سبحانه وتعالى، وإن الله سبحانه ما زال فاعلاً، وإن التسلسل ليس بمحال فيما مضى”. انتهى

وغير واحد من العلماء يعدون هذا الذي ذهب إليه ابن تيمية من جملة ما ندّ به عن الصواب، وانكروا عليه مقالته وقالوا كيف يقول بقِدَم جنس الصفات والأفعال مع حدوث آحادها، وهل الجنس شيء غير الأفراد مجتمعين؟

وحتى الألباني فقد

وقال الألباني شيخ الوهابية في كتاب الردود : «لقد أطال ابنُ تيمية الكلام في ردّه على الفلاسفة محاولاً إثبات «حوادث لا أول لها»، وجاء في أثناء ذلك بما تحار فيه العقول، ولا تقبله أكثر القلوب، حتى اتهمه خصومه بأنّه يقول بأنّ المخلوقات قديمة لا أول لها، مع أنّه يقول ويُصرِّح بأنّ ما من مخلوق إلاَّ وهو مسبوق بالعدم؛ ولكنّه مع ذلك يقول بتسلسل الحوادث إلى ما لا بداية له. كما يقول هو وغيره بتسلسل الحوادث إلى ما لا نهاية، فذلك القول منه غير مقبول، بلْ هو مرفوض بهذا الحديث، وكم كنّا نودّ أن لا يلج ابن تيمية هذا المولج”. انتهى

والعجيب أن ابن تيمية الحَرّانيّ ينسب في رِسَالتِهِ المُسَمَّاةِ “حَقِيقة مَذْهَب الاتِّحادِيِّين” قيام الحوادث بذات الله إلى أكثر أهل السنة، حيث قال: “إنْ اقْتَضَى – أي حديث كان الله ولم يكن شىء غيره- تَحَوُّلاً مِن حالٍ إلى حالٍ ومِن شَأْنٍ إلى شَأْنٍ فَهُوَ مِثْلُ مَجِيْئِهِ وَإِتْيَانِهِ وَنُزُوْلِه وَتَكْلِيْمِه لِمُوْسَى وَإِتْيَانِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي صُوْرَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّت عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَقالَ بِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنّةِ فِي الحَدِيثِ وَكَثِيْرٌ مِن أَهْلِ الكَلامِ وَهُوَ لازِمٌ لِسَائِرِ الفِرَقِ ” انتهى

وقد زعم ابن تيمية أيضا أن هذا القول هو الذي عليه أكثر أئمة الحديث، فقال في تلبيس الجهمية: “إن القول بحلول الحوادث بذات الله تعالى هو مذهب أكثر أهل الحديث، بل أقول: “أئمة الحديث”، وهو الذي نقلوه عن سلف الأمة وأئمتها، وكثير من الفقهاء والصوفية وأكثرهم من طوائف الأربعة الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية من لا يحصي عدده إلا الله تعالى”. انتهى

والصحيح أن هذا الرأي هو مذهب ابن تيمية و أسلافه من الكرامية، فقد قال الدكتور أحمد عطية الغامدي في كتابه المسمى “البيهقي وموقفه من الإلهيات” صحيفة 183ما نصه: “وهذا الذي اختاره ابن تيمية وذكر أنه مذهب السلف وأنه الحق الذي يؤيده الدليل الشرعي، والعقلي وهو بعينه رأي الكرامية”. انتهى

وكذلك المجسم ابن أبي العز الحنفي شارح العقيدة الطحاوية، مع أنه لم ينكر هذا الرأي، فقد اكتفى بالقول: “وحلول الحوادث بالرب تعالى المنفي عنه في علم الكلام المذموم لم يرد نفيه ولا إثباته في كتاب ولا سنة”. انتهى

لكن قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على شرح العقيدة الطحاوية عند الجملة السابقة: “جمهور المتكلمين من أشاعرة وماتريدية، ومعتزلة وفلاسفة اتفقوا على منع قيام الحوادث بذاته تعالى، وجوّز قيامها بذاته الكرامية، وفرقوا بين الحادث والمُحْدَث، فالأول عندهم ما يقوم بذاته من الأمور المتعلقة بمشيئته واختياره، وأما الثاني فهو ما يخلقه سبحانه منفصلاً عنه، وقد تبعهم شيخ الإسلام ابن تيمية في تجويز قيام الحوادث بالذات، والمؤلف هنا – يريد شارح الطحاوية – يختصر كلامه المبسوط في منهاج السنة”. انتهى

و قال الشيخ محمد زاهد الكوثري في تعليقه على السيف الصقيل: “اتفقت فرق المسلمين سوى الكرامية، وصنوف المجسمة، أن الله سبحانه منزه من أن تقوم به الحوادث، بل ذلك مما علم من الدين بالضرورة، ودعوى أن الله تعالى لم يزل فاعلاً متابعة منه للفلاسفة القائلين بسلب الإختيار عن الله سبحانه، وبصدور العالم منه بالإيجاب، ونسبة ذلك إلى أحمد، والبخاري وغيرهما من السلف كذب صريح وتقوّل قبيح، ودعوى أن تسلسل الحوادث في جانب الحاضر غير محال، لا تصدر إلا ممن لا يعي ما يقول، فمن تصور حوادث لا أول لها تصور أنه ما من حادث محقق إلا وقبله حادث محقق، وأن ما دخل بالفعل تحت العدّ والإحصاء غير متناه. وأما من قال بحوادث لا آخر لها فهو قائل بأن حوادث المستقبل لا تنتهي إلى حادث محقق إلا وبعده حادث مقدّر، فأين دعوى عدم تناهي ما دخل تحت الوجود في جانب الماضي من عدم تناهي ما لم يدخل تحت الوجود في المستقبل! على أن القول بالقِدَم النوعي في العالم من لازمه البيّن عدم تناهي عدد الأرواح المكلفة، فأنّى يمكن حشر غير المتناهي من الأرواح وأشباحها في سطح متناه محدود؟! وعلى هذا التقدير فيكون القائل بعدم تناهي عدد المكلفين قائلاً بنفي الحشر الجسماني؛ بل بنفي الحشر الروحاني أيضاً حيث إن هذا القائل لا يعترف بتجرد الروح فيكون أسوء حالاً من غلاة الفلاسفة النافين للحشر الجسماني”. انتهى

وهذا اقرار من هؤلاء بأن القول بقيام الحوادث بذات الله هو مذهب ابن تيمية أخذه عن الكرامية، وأمادعوى التفريق بين الحادث والمحدث فهي سفسطة يراد بها الهروب من الزامات خصومهم.

قال أبو عبد الله بن حامد في كتابه في أصول الدين: “وكلامه قديم غير محدث كالعلم والقدرة”. انتهى

ومنع حلول الحوادث في ذات الله هو أصل مجمع عليه عند عامة أهل السنة، و الحنابلة، وهذا الإجماع نقله هذا الحراني في “التسعينية” حيث قال: “وقد ظن من ذكر من هؤلاء كأبي علي وأبي الحسن ابن الزاغوني أن الأمة قاطبة اتفقت على أنه لا تقوم به الحوادث وجعلوا ذلك الأصل الذي اعتمدوه وهذا مبلغهم من العلم”. انتهى

وقال محقق الكتاب، – اسمه:العجلان- ما نصه: “ذكر الشيخ رحمه الله حكاية ابن الزاغوني والقاضي وغيرهما للإجماع على امتناع قيام الحوادث به في درء تعارض العقل والنقل”. انتهى

وأبو علي الذي ذكره ابن تيمية في التسعينية هو: محمد بن أحمد بن أبي موسى أبو علي الهاشمي الفقيه القاضي البغدادي الحنبلي رحمه الله المتوفى سنة 428 هـجري

و قال أبو الحسن ابن الزاغوني في كتابه “الإيضاح في أصول الدين”: “لو كان كلام الله مخلوقا لم يخل أن يكون مخلوقا في محل أو لا في محل فإن كان في محل فلا يخلو أن يكون محله ذات الباري أو ذاتا غير ذاته مخلوقة ومحال أن يكون خلقه تعالى في ذاته لأن ذلك يوجب كون ذاته تعالى محلا للحوادث وهذا محال اتفقت الأمة قاطبة على إحالته”. انتهى

وقال السفاريني في اللوامع: “فسائر الصفات الذاتية من الحياة والقدرة والإرادة والسمع والبصر والعلم والكلام وغيرها وسائر الصفات الخبرية من الوجه واليدين والقدم والعينين ونحوها وسائر صفات الأفعال من الاستواء والنزول والاتيان والمجيء والتكوين ونحوها قديمة لله أي هي صفات قديمة عند سلف الأمة وأئمة الاسلام لله (ذي الجلال) والاكرام ليس منها شيء محدث والا لكان محلا للحوادث وما حل به الحادث فهو حادث تعالى الله عن ذلك”. انتهى

فابن تيمية خرق اجماع الأمة في الأصول و نسب قيام الحوادث بذات الله تبعا لأسلافه من الكرامية، فقد ذكر شرف الدين بن التلمساني شيئًا من معتقداتهم الفاسدة التي تبنّاها ابن تيمية في شرح لمع الأدلة للجويني ما نصه : « وخالف إجماع الأمة طائفة نبغوا من سِجستان لقبوا بالكرامية نسبة إلى محمد بن كرّام، وزعموا أن الحوادث تطرأ يعني تتجدد على ذات الله، تعالى عن قولهم، وهذا المذهب نظير مذهب المجوس. ووجه مضاهاته لمذهب المجوس أن طائفة منهم تقول بقدم النور وحدوث الظلمة، وأن سبب حدوثها أن يَزْدَان فكَّر فكرة فَحَدَثَ منها شخص من أشخاص الظلمة فأبعده وأقصاه وهو هُرمز، وجميع الشر ينسب إليه. وكذلك الكرّامية تزعم أن الله تعالى إذا أراد إحداث محدَث أوجد في ذاته كافًا ونونًا وإرادة حادثة، وعن ذلك تصدر سائر المخلوقات المباينة لذاته » انتهـى

وقال أبو المظفر الإسفراييني في التبصير في الدين ما نصه : « ومما ابتدعوه- أي الكرَّامية- من الضلالات مما لم يتجاسر على إطلاقه قبلهم واحد من الأمم لعلمهم بافتضاحه هو قولهم: بأن معبودهم محل الحوادث تحدث في ذاته أقواله وإرادته وإدراكه للمسموعات والمبصرات، وسموا ذلك سمعًا وتبصرًا، وكذلك قالوا: تحدث في ذاته ملاقاته للصفحة العليا من العرش، زعموا أن هذه أعراض تحدث في ذاته، تعالى الله عن قولهم » انتهـى

و بهذا يكون ما توسع به ابن تيمية في كتبه من تجويز قيام الحوادث به تعالى وحلولها فيه، خارجًا عن معتقد أهل السنة والجماعة، أهل الحق، وانما هو أمر قاله من كيسه ليس له فيه سند معتبر من كلام السلف او كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وغاية أمره أنه استدل بقول الإمام أحمد وغيره: “لم يزل متكلماً إذا شاء”، فقال بزعمه إذا كان كلام الله – وهو صفة قائمة بذاته – متعلقاً بمشيئته دل ذلك على جواز قيام الحوادث بذاته لأنه ما يتعلق بالمشيئة والإختيار لا يكون إلا حادثاً. وقد انتهى به القول أن كلام الله تعالى قديم الجنس حادث الفرد. وبما أن القول بذلك يستلزم التسلسل فقد جوزه في الماضي والمستقبل جميعاً، وادعى أن مثل هذا التسلسل ليس ممتنعاً.

واحتجاجه بكلام أحمد على هذه المسألة ليس بشىء عند التحقيق، لأن قول الإمام أحمد: “لم يزل متكلماً إذا شاء” – إن صح اسنادا- معناه إذا شاء إسماعنا، بدليل ما قاله ابن حجر في الفتح في معرض كلامه عن مذهب الحنابلة: “وأكثرهم أنه يتكلم بما شاء إذا شاء، وأنه نادى موسى حين كلمه، ولم يكن ناداه من قبل”. انتهى

أي أن الله كلامه أزلي أبدي غير مخلوق، وإذا شاء خصص بعض أنبياءه بالتكليم أو أسمعهم كلامه عز وجل. لا أنه عز وجل يتكلم اذا شاء و يسكت اذا شاء.