الله تعالى ما شاء لكلِّ من رأى المعجزة أن يهتدي 2

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي تفضل علينا بالبعثة النبوية، ورصَّع أمتنا بالجوهرة المحمدية وجعلها أمة سمية، أرسل نبيه بالخير والرحمات داعيا إلى الحق والمبرات مؤيداً بالمعجزات الباهرات والآيات الظاهرات، وأصلي وأسلم على محمد عبد الله ورسوله وصفيه وخليله خير البشر فخر ربيعة ومضر من انشق له القمر وشهد برسالته الشجر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا شبيه ولا مثيل له ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ سبحانه تعجز الأفهام عن إدراك ذاته وتتحير العقول في عظيم ءالائه وءاياته وأشهد أن سيدنا وحياة قلوبنا محمداً عبد الله ورسوله عليه صلاة ربي وسلامه ما مر على الروض النسيم فبث عطر الرياحين وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

أما بعد عباد الله فإن ربنا جلَّ وعلى لم يخلقنا لهواً ولا عبثاً وإنما خلقنا لمعرفته وعبادته، وبرحمة منه أرسل إلينا أنبياءه الكرام مرشدين إلى الطريق القويم فقطع علينا الحجة بهم قال عز وجل ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ فمن ءامن بهم واتبعهم فاز بالجنة وظفر ومن تولى عنهم وعصاهم تبَّ وخسر وكانت له جهنم مستقراً خالداً فيها أبداً فاتقوا الله عباد الله وخافوه.

قال ربنا تبارك وتعالى ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ بعث الله أنبياءه وكلَّلهم بالصفات الحميدة والعصمة المجيدة وجعل الإيمان بهم ركناً من أركان الإيمان وأوجب اتباعهم فما يسمع بالنبي أحد ثم لم يؤمن به إلا كانت له نار جهنم موئلاً، وبحكمته تعالى خص الأنبياء بخوارق يعرفون بها وصدقهم بمعجزات تُبَيّنُ حقّيتهم فما من نبي إلا وله معجزة تدل على صدق دعواه. والمعجزة هي أمر خارق للعادة يحصل على يد من ادعى النبوة موافق لدعواه سالم من المعارضة بالمثل فلا يسع العاقل إلا تصديق من اتى بها والإيقان بنبوته فهي قائمة مقام قوله تعالى صدق عبدي في دعواه النبوة وفيما يبلغه عني. فكان مما أوتي موسى عليه السلام من المعجزات انقلاب العصا ثعباناً حقيقياً فالتقم ما ألقى السحرة فأيقنوا بحق دعواه وءامنوا بالله مع ما لقوا من أذى فرعون وجنوده، وفلق البحر بعصاه حتى كان كل فِرق كالجبل العظيم فجاوز ببني إسرائيل وأغرق الله فرعون وجنوده.

وأما عيسى عليه السلام فقد أوتي إحياء بإذن الله بدعائه وشفى الله الأبرص على يديه وصار من ولد أعمى بصيراً معجزةً له غليه السلام وتصديقاً لنبتوه ورسالته.
وأعظم الأنبياء معجزاتٍ هو سيدنا محمد خاتمهم وأفضلهم حتى قال الإمام الشافعي رضي الله عنه ما أعطى الله نبياً معجزة إلا وأعطى محمداً مثلها أو أعظم منها اهـ وصدق من قال:

إن كان موسى سقى الأسباط من حجر *** فإن في الكف معنى ليس في الحجر
إن كان عيسى برا الأعمى بدعوته *** فكم براحته قد رد من بصر

فهو عليه الصلاة والسلام صاحب المعجزات العظمى والمرتبة العليا الذي أنزل عليه القرءان الكريم أعظم معجزة كتابٌ مبين ليس فيه شائبة ولا تدخله أدنى عائبة كتابٌ أحكمت ءاياته، أفصح الكلام وأعلى البلاغة، تحدى العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة بأن يأتوا بسورة من مثله فأيقنوا بعجزهم.

فالمعجزة إخوة الإيمان خاصة بالأنبياء وليست لغيرهم، أما ما كان خارقاً للعادة مما يظهر على أيدي بعض الأولياء كما حصل مع السيدة مريم حين هزت الجزع اليبيس فحمل للحال وتساقط عليها الرطب فإن هذا يسمى كرامة يكرم الله بها هذا الولي تبين صدق اتباعه للنبي وصدق النبي الذي يتبعه فإن الولي لا يدعي النبوة.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتنا على الحق واتباع الأنبياء في ما يدينون به لرب العالمين وأن يحشرنا يوم القيامة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الحمدُ للهِ الذي هدانا لِهذا وما كنا لنَهتدي لولا أن هدانا الله والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا وحبيبِنا وعظيمِنا وقرةِ أعينِنا أحمدَ محمدٍ الأمينِ سيدِ الأولين والآخرين خاتمِ النبيينَ والمرسلينَ بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمين بشيرًا ونذيرًا ليَهديَ اللهُ به من فتحَ اللهُ على قلبِه، وليكونَ شاهدًا على الكافرينَ الذين طمَس اللهُ على قلوبِهم. وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.

أما بعدُ عبادَ اللهِ، أُوصي نفسيَ وإياكم بتقوى اللهِ العظيم والثباتِ على دينِه القويم ونبذِ كلِّ بدعةٍ ضلالةٍ والإعراضِ عن كلِّ ما فيه خُسرانٌ ويؤدي إلى الهلاكِ وأوصيكم بالتَّمسُّكِ بهذهِ الشريعةِ الحنيفِيَّةِ السمحاءِ، يقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، فمن تمسَّكَ بها لم يضِلَّ ولن يضلَّ أبدًا، مهما أتَتْ عليك أخي المسلم رياحٌ فاسدةٌ فصُدَّها بالعلمِ والقرءانِ، ومهما أتت عليكَ وساوِسُ شيطانيةٌ فصدَّها ورُدَّها وأعرِضْ عنها بالعلمِ والبرهانِ فقد قالَ اللهُ تبارك وتعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) وما أَرسلَ اللهُ من نبيٍّ إلا وأُوتِي الحكمةَ وحسنَ المنطقِ والبرهانَ والدليلَ والمعجزةَ ليُظهِرَ الحقَّ وليُحاربَ الباطلَ بسيفِ العلمِ والإيمانِ والدليلِ والبرهانِ.

فالأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام أيَّدهمُ اللهُ بالمعجزاتِ والبراهينِ الصادقةِ الدّالةِ على صحةِ نبوتِهم وصدقِ دعواهم، والله تبارك وتعالى مع ذلك أيَّدهم بالصبرِ فكلُّهم صبروا على ما أُوذوا واضطُهدوا في سبيل الله.

وقبل الكلامِ عن معجزاتِ الأنبياءِ التي ينكرُها أصحابُ الأهواء المردية لا بدَّ لك أخي المؤمن أن تعرفَ بالدليلِ والبرهانِ القاطعِ الذي لا شكَّ فيه أن هذا العالمَ إنما لهُ إلهٌ خالقٌ موجِدٌ أوجدهُ من العدمِ وجعلَ فيه السمواتِ وزيَّنها بمصابيحَ وجعلَ فيها سراجًا وهاجًا وقمرًا منيرا وجعلكَ أنتَ أيها الإنسان لك عينانِ تُبصِرُ بهما وأُذُنانِ تسمعُ بِهما وعقلٌ تعقِلُ به ومعِدةٌ تمضَغُ وتطحَنُ الطعامَ وأسنان تنبُتُ لك عندَ استغنائِكَ عن الحليبِ واحتياجِك إلى ما يُمضَغُ بالأسنانِ. واللهُ تبارك وتعالى قالَ (وفي أنفُسِكم أفلا تُبصِرون) سورة الذاريات21، جعلَ لكَ مخرجَ البولِ والغائطِ تفكَّرْ بعقلِكَ في نفسِك فلو لم يكن لك إلا فمٌ تأكُلُ منهُ وبطنٌ تملؤُه بالطعامِ والشرابِ فلو لم يكنْ لك مخرجُ البولِ ومخرجُ الغائط فماذا جرَى بحالِ الإنسان.

فالمعجزة أمرٌ خارقٌ للعادةِ يظهرُ على يدِ مدَّعي النبوةِ سالمٌ من المعارضةِ بالمثلِ، فليس صنعُ الطيرانِ من قبيلِ المعجزاتِ لأن المعجزاتِ هي خاصةٌ بمن أَوحى اللهُ إليهم وجعلهم أنبياء مصطفَينَ أخياراً، فالمعجزة أمر خارق للعادةِ تظهرُ على يدِ من ادَّعى النبوة، ولذلكَ لمَّا طلبَ قومُ صالحٍ من نبيِّ اللهِ صالح معجزةً أيدَهُ اللهُ بالمعجزةِ فأخرجَ لهُ من الصخرةِ الصَّمَّاءِ ناقةً وفصيلَها، فآمنَ من هدى اللهُ قلبَه وعاند وتكبرَ عن الإيمانِ من علِم اللهُ بعلمِه الأزليِّ أنه لن يُؤمن.

وكذلك عيسى ابنُ مريمَ عليه الصلاة والسلام جاءَ بدينِ الإسلامِ الذي يدعو إلى وحدانيةِ اللهِ أيَّدَهُ اللهُ بالمعجزاتِ وكان قد اشتهرَ قومُه بالطبِّ ومع ذلك عجَزُوا عن أن يعارضوا عيسى ابنَ مريمَ عليه الصلاة والسلام إذ أيَّدَهُ اللهُ بمعجزةِ إحياءِ الموتى وإبراءِ الأكمه والأبرصِ بإذنِ الله وهم اشتهروا بالطبِّ فلم يستطيعوا أن يأتوا بمثلِ ما أتى به ولم يستطيعوا أن يُحيوا ميتًا ولا أن يشفوا أبرَصَ أو أكمه بمجرد وضعِ اليدِ عليهِ أو بمجرَّدِ مسحِ عينيهِ لأنَّ هذه الأمورَ خارقةٌ للعاداتِ لا تظهَرُ إلا على يدِ الأنبياءِ، لو اجتمعَ الكفارُ قاطبةً على أن يأتوا بمثلِ معجزة من معجزاتِ أي نبيٍ من أنبياءِ اللهِ لما أتَوا بها ولا بمثلِها أبدًا.

فلما كانَ للأنبياءِ علينا ميزات أنَّ لهم معجزاتٍ إذًا صارَ واجبًا على كلِّ من بلغتهُ دعوةُ النبيِّ أن يصدِّقَ بهذا النبيِّ لأنهُ بيدِه البرهانُ والدليلُ على أنه صادقٌ وليس مشعوذًا ولا صاحبَ خُرافاتٍ ولا صاحبَ شعوذاتٍ.

فأنبياءُ اللهِ تبارك وتعالى نزَّهَهم اللهُ تعالى عن الرذائلِ نزههم اللهُ تعالى عن الفحشاءِ والمنكر، نزَّههمُ اللهُ تعالى عن الزنا وشربِ الخمرِ والفسقِ والفجورِ إنما اصطفاهم الله تبارك فصار واجبًا علينا أن نؤمن بهم جميعًا من أولهِم ءادمَ عليه الصلاة والسلام إلى ءاخرِهم محمدٍ عليهم الصلاةُ والسلامُ جميعًا، من غيرِ أن نُكذِّبَ عيسى، من غير أن نُكذِّبَ موسى، من غير أن نكذبَ هارون،َ من غيرِ أن نكذبَ يعقوبَ أو اسحقَ أو إسماعيلَ أو إبراهيمَ أو نوحًا نؤمن بهم جميعاً لا نفرِّقُ بين أحدٍ من رسلِه، مع أنَّ اللهَ تعالى جعلهم درجاتٍ وجعلَ محمدًا صلى الله عليه وسلم أعظمَهم درجةً، محمدٌ عليه الصلاة والسلام أيدهُ اللهُ تبارك وتعالى بمعجزاتٍ كثيرةٍ اشتهرَ قومُه باللغةِ العربيةِ بالفصاحةِ والبلاغةِ، وأعظمُ معجزاتِ النبيِّ القرءانُ الذي عجَزَ فصحاءُ العربِ وبلغاؤُهم عن أن يأتُوا ولو بمِثلِ ءايةٍ منهُ.

فأي خير وأي بركة أحدثكم عنها اليوم، أبو هريرة يأتي بتمرات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول ادع لي فيهن بالبركة، اسمعوا جيدا اخوة الإيمان، أبو هريرة يأتي بإحدى وعشرين تمرة ويقول ادع لي فيهن بالبركة فجعل صلى الله عليه وسلم يضع كل تمرة ويسمي ثم جمعه وقال: ادع فلانا وأصحابه، فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا ثم قال ادع فلانا وأصحابه، فأكلوا وشبعوا وخرجوا ثم قال: ادع فلانا وأصحابه فأكلوا وشبعوا وخرجوا وفضل تمر، ثلاثة أفواج من الرجال دخلوا وأكلوا من التمر.

والأمر إخوة الإيمان لم يصل إلى هذا القدر فقط، يقول أبو هريرة رضي الله عنه قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقعد، فقعدت فأكل وأكلت، قال: وفضل تمر فأخذه، أخذ بقية التمرات فأدخله في المزود، والمزود إخوة الإيمان هو الوعاء من جلد وغيره يجعل فيه الزاد، أدخل صلى الله عليه وسلم بقية التمرات في المزود وقال: يا أبا هريرة إذا أردت شيئا فأدخل يدك فخذ، قال أبو هريرة: فأكلت منه حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأكلت منه حياة أبي بكر كلها، وأكلت منه حياة عمر كلها، وأكلت منه حياة عثمان كلها، هذا كله إخوة الإيمان ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم.

ومن معجزاته أنّه كان صلى الله عليه وسلم يوم الخندق والصحابة الكرام يحفرون الخندق عرضت لهم صخرة كبيرة فأخبروا بذلك قائدهم محمدا فجاء صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول فسمى ثلاثا ثم ضرب الصخرة فنَزلت رملا سائلا.
ومن معجزاته صلوات ربي وسلامه عليه، أتاه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد وقد لفه في خرقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا غلام من أنا، فأنطق الله تعالى الغلام فقال أنت رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله فيك) فكان هذا الغلام يسمى مبارك اليمامة، ومن معجزاته أنّه كان صلى الله عليه وسلم يرى أصحابه وهم وراء ظهره فعن أنس بن مالك قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ أقيمت الصلاة، فقال (أيها الناس إني أمامكم فلا تسبقوني في الركوع ولا في السجود ولا ترفعوا رؤوسكم فإني أراكم ِمن أمامي ومن خلفي) الحديث.

فيا أخي المسلم، معجزاتُ الأنبياءِ صدقٌ يجبُ الايمانُ بها، فالأنبياءُ عليهم صلواتُ اللهِ قد بُعثوا ليُعلِّموا الناسَ الخيرَ ولينهوهُم عن الشرِّ فطوبى لمن تمسك بهم، فأنبياء الله أفضل خلق الله وأحب الخلق إلى الله موصوفون بالصدق والأمانة والعفة والفصاحة والفطانة والتبليغ والشجاعة والطهارة، معصومون من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها وجعلهم الله أكثر الخلق بركة.

هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.

Related posts

الإِيمانُ بِالقَدَر


Lire la suite

المُعْجِزَةُ خاصَّةٌ بِالأَنْبِياءِ


Lire la suite

الدَّلِيلُ العَقْلِيُّ عَلى وُجُودِ الله

الله تعالى يهدي من يشاء

الله تعالى ما شاء لكلِّ من رأى المعجزة أن يهتدي

كان كفارُ مكة طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم طلب منه مشركو مكة أن يريَهم انشقاق القمر فأراهم الله تعالى بقدرته شقّ القمر فكان جزءٌ من القمر فوق جبل أبِي قُبَيس وجزءٌ منه دون الجبل فشاهدَ المشركون بأعينهم القمرَ قد انشقّ شاهدوا بأعينهم، فمن كان أسلم قبل ذلك ازداد ايماناً وتصديقاً برسول الله حيث إنه حقّق لهم بقدرة الله بإذن الله ما اقترحوا عليه، انشق القمر ازدادوا إيماناً من كان مؤمناً قبل ذلك ازداد إيماناً.

وأما المشركون الذين لم يشأ الله تعالى أن يهتدوا مع أنهم شاهدوا بأعينهم القمر قد انشق، لم يُسلموا بل قالوا سحر قالوا سَحَرَنا محمد بدل أن يقولوا أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمداً رسول الله، بدل أن يقولوا ذلك، قالوا سَحَرَنا محمّد مع أنهم حتى يتأكدوا قالوا فيما بينهم نسأل الكفار أي الذين كانوا خارجَ مكة تلك الساعة نسألهم إن كانوا رأوا كما رأينا أم لا فصاروا يسألون السُّفَّار.

الناس المسافرين القادمين إلى جهة مكة، صاروا يسألونهم هل رأيتم انشقاق القمر؟ قالوا نعم رأينا، مع هذا بما أن الله تعالى ما شاء لهم السعادة ما ءامنوا، وهكذا الناس الآخرون كثير منهم لم يهتدوا بالمعجزات لأن الله تعالى ما شاء لكلِّ من رأى المعجزة أن يهتدي إنما شاء لقسم منهم أن يهتدوا بهذه المعجزة ولم يشأ لآخرين أن يهتدوا مع أنهم رأوا المعجزة كما رءاها الذين اهتدَوا بسببها، هؤلاء رأوا وهؤلاء رأوا لكنّ هؤلاء اهتدوا بسبب هذه المعجزة ءامنوا بالله ورسوله وهؤلاء لم يهتدوا بل ثبتوا على شركهم وكُفرهم.

هذا موسى عليه السلام بعد أن شاهدوا منه العجائب، شاهدوا منه المعجزات منهم من ءامن فثبت على الإيمان ومنهم من لم يؤمن ومنهم من كفر بعد أن ءامن، هؤلاء الذين جاوز موسى بهُم البحر، فلق الله تعالى لهُم البحرَ فصار البحر أثني عشر فرقاً كل فرق كالطَّود العظيم، كالجبل العظيم، فهؤلاء أنفسهم بعد أن خلصهم موسى بفضل الله تعالى من فرعون الذي كان يَستعبدهُم بعد أن خلصهم منه، وأغرق فرعونَ عدو موسى بهذا البحر الذي فلقه الله تعالى لموسى وأمته الذين ءامنوا معه بهذا البحر أغرقه اللهُ تعالى وجيشه الذي كان ألفَ ألفٍ أي مليوناً أغرقهم الله تعالى بهذا البحر الذي فلقه لموسى ومن ءامن به هؤلاء أنفسهم بعد أن تركهم موسى وذهب لميقات ربه، أي لسماع كلام اللهِ الأزليّ، الذي لا يُشبه كلامَ العالمين ومكث أربعين ليلة غائباً عنهم وكان فيهم أخوه هارون، نبي الله رسول الله، فتَنهم هذا الرجل الذي يُسمَّى موسى السامري فجعلهم يعبدون العجل، العجلَ الذي صاغه موسى السامريّ من ذَهَب عبدوه لما وسوَس إليهم قال لهم كان يظهر منه صوت بقدرة الله تعالى.

هذا العجل صار يطلَع منه صوت كأنه ثور من البَقَر، يطلع منه صوت يخور يصيح فقال لهم هذا المفتون موسى السامري هذا إلهكم وإلهُ موسى إنّما موسى أضلَّ إلَههُ ما عرفَ مكانَ إلهه، قال عن موسى ابن عِمران ما عرف مكانه هذا إلهُكم فوافقوه كثيرٌ منهم فكفروا بالله مع أن زمانَهم وعهدَهم بتلك المعجزة العظيمة لم يكن بعيدا تجاوز موسى بهم البحر ثم قبل أن يصل بهم إلى برّ الشام تركهم في أرض وذَهب لميقات ربه فكفروا، رجعوا إلى مثل الكفر الذي كان فيه قومُ فرعون فتنهم هذا الخبيث موسى السامري مع أنهم قريبو عهد بتلك المعجزة الباهرة.

هل كرامات الأولياء حق؟

إنكار الكرامات وسيلة أهل الزيغ لإنكار المعجزات

قال الفقيه الإمام الحافظ أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد رضي الله عنه سألت عصمنا الله واياك عن اعتقادات أهل البدع والأهواء ولا عدل بك وبنا عن الطريقة المثلى عما يروى من كرامات الصالحين، وبراهين عباد الله المتقين، هل هي باطل يلزم ابطالها والتكذيب لها، أو حق يجب التصديق بها والاعتقاد لصحتها، وما وجه ما تعلق به من أنكرها؟ والدليل الذي اعتصم به صححها وأثبتها؟

إنكار الكرامات وسيلة أهل الزيغ لإنكار المعجزات.
فأقول والله الموفق للصواب برحمته وتأييده والهادي إلى المنهج المستقيم، بتوفيقه وتسديده:
إن انكارها والتكذيب بها بدعة وضلالة بثها في الناس أهل الزيغ والتعطيل الذين لا يقرون بالوحي والتنزيل، ويجحدون أيات الأنبياء والمرسلين، ولا يعتقدون أن لهم ربا وخالقا يفعل ما يشاء، ويقدر على ما أراد من جميع الأشياء كي يوقعوا في نفوس الجهال والأغبياء ابطال معجزات الأنبياء، من ناحية ابطال كرامات الأولياء، إذ هي من قبيل واحد في أنها ليست من مقدورات البشر.
وإذا كان الله تعالى قد دل على صدق الأنبياء بالمعجزات التي خرق لهم بها العادات جاز أن يدل أيضا على طاعة الأولياء في الحال والرضا عن عملهم فيها بشرط موافاتهم عليها بما أظهر على أيديهم من الكرامات لطفا بهم وبمن سواهم ممن يطلع على ذلك لما في ذلك من الحث على طاعته التي جعلها سببا إلى ما أعد لهم من مثوبته وكرامته.

أدلة وجود الكرامة:
وذا جاز ذلك في العقل ولم يمتنع ولا جاء في الشرع ما يمنع منه بل جاء فيه ما يدل عليه، من ذلك قول الله تعالى في كتابه (ٱللَّهُ لَطِيفٌۢ بِعِبَادِهِۦ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ) (سورة الشوى الآية 19) وقوله عز وجل (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا) (سورة آل العمران الآية 37) الآية إلى آخرها قال أهل التأويل كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، ومن ذلك ما روى النبي عليه السلام في قصة جريح وقصة الثلاثة نفر الذين أووا إلى غار فانطبقت عليهم الصخرة إلى ما سوى ذلك مما يعز احصاؤه ولا يمكن استقصاؤه، وجب الإيمان بها والتصديق بما صح منها…….إلى أن قال ومن أكرمه الله من أوليائه يخرق عادة لا يعلم بها قبل أن تكون ولا يعلم إذا كانت، إن كانت الكرامة له أو لغيره لأن ذلك علم غيب لا يعلمه إلا من أطلعه الله عليه من رسول، قال الله عز وجل (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) (سورة الجن الآية 27) فهو إذا ظهرت له يرجو أن تكون له ويخفيها ويسترها، الله تعالى يظهرها إذا شاء لا إله إلا هو وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه التوفيق لا شريك له) والفتوى طويلة ينظر فيها من شاء في كتاب مسائل أبي الوليد ابن رشد حيث ذكر طريقان لصحة الكرامة ولوجودها وصحتها في الجملة، ولا حجة لمن ينكر الكرامة والعلاقة بين المعجزة والكرامة.

Related posts

الرد على من زعم أن الفاطميين هم أول من احتفل بالمولد النبوي


Lire la suite

رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام ابن الحاج المالكي


Lire la suite

رد شبهة احتجاج المنكرين لعمل المولد بكلام الفاكهاني