تنزيه الله تعالى

قال شهاب الدين القرافي المالكي (ت 684 هـ) في كتابه الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة (و) كما جاز أن يُبصرَنا اللهُ وهو (تعالى) ليس في جهة وبغير جارحة، ونراه نحن (يريد المؤمنين يرَون الله يوم القيامة) وهو ليس في جهة (قاله أبو حنيفة ومالك وغيرهما)، ونقطع بوجوده (عز وجلّ) وليس هو داخل العالم وﻻ خارج العالم (لتنزّهه تعالى عن الكيف والمكان)، وﻻ جسم له (والمجسّم كافر نصّ عليه أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم)، جاز أن نسمع كلاماً ليس بصوت (يريد أن الله تعالى له صفة الكلام الذي ليس حرفاً ولا صوتاً ولا لغة، سبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (1).

وقال الشيخ إبراهيم المارغني الزيتوني توفي 1349 هـ (وليس تعالى جرمًا ولا يتصف سبحانه وتعالى بالحركة والسكون ولا بالكبر والصغر ولا بالطول والقصر ولا بالقرب والبعد بالمسافة ولا بغير ذلك من صفات الحوادث) الشذرات الذهبية صحيفة 41-45.

وقَالَ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ أَبُو الْمَحَاسِنِ القَاوُوقْجِيُّ الطَّرَابُلُسِيُّ المُتَوَفَّى سَنَةَ 1305 هِجْرِيَّةٍ فِي نَفْيِهِ الحَيِّزَ والمَكَانَ عَنِ اللهِ وفِي تِبْيَانِهِ لِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ) مَا نَصُّهُ (لَوْ كَانَ لَهُ جِهَةٌ أَوْ هُوَ فِي جِهَةٍ لَكَانَ مُتَحَيِّزًا وكُلُّ مُتَحَيِّزٍ حَادِثٌ والحُدُوثُ عَلَيْهِ مُحَالٌ) وقَالَ أَيْضًا (فَلَا يُقَالُ لَهُ يَمِينٌ ولا شِمَالٌ ولا خَلْفٌ ولا أَمَامٌ ولا فَوْقَ العَرْشِ ولا تَحْتَهُ ولا عَنْ يَمِينِهِ ولا عَنْ شِمَالِهِ ولا داخِلٌ فِي العَالَمِ ولا خَارِجٌ عَنْهُ ولا يُقَالُ لا يَعْلَمُ مَكَانَهُ إِلَّا هُوَ).

وقال القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي أحد أكابر المالكية وهو من أصحاب الوجوه المتوفى سنة 422 هجرية في شرحه على عقيدة مالك الصغير ص 28 ما نصه (ولا يجوز أن يثبت له كيفية لأن الشرع لم يرد بذلك ولا أخبر النبي عليه السلام فيه بشْيء ولا سألته الصحابة عنه ولأن ذلك إلى التنقل والتحول وإشغال الحيز والافتقار إلى الأماكن وذلك يؤول إلى التجسيم وإلى قدم الأجسام وهذا كفر عند كافة أهل الإسلام). انتهى

وقال المفتي المالكي العلامة الفقيه أحمد بن محمد بن عبد الله المُكنِي الطرابلسي (2) (ت 1101 ھ) مفتي طرابلس الغرب ليبيا ووالده وجده كذلك، في مقدمة كتابه وهو مخطوط شُكر المنّه في نصر السُّنّة ذَكر عقيدة أهل السنة وبدأها بقوله عقيدة أهل السنة على سبيل الاختصار من كلام العلماء الأخيار، قال فيها في تنزيه الله تعالى ما نصه (لا يحُده المقدار، ولا تحويه الأقطار، ولا تحيط به الجهات، ولا تكتنفه الأرض ولا السماوات، وقال أيضًا تعالى أن يحويه مكان، وتقدس أن يحده زمان، بل كان قبل أن يخلق المكان والزمان) وبعد أن سرد هذه العقيدة قال ما نصه (فمن اعتقد جميع هذا كان من أهل الحق والسُنة وخالف أهل الضلال والبدعة).

وقال قاضي الصحراء أبو بكر (3) محمد بن الحسن المُرادي الحضرمي القيرواني ثم الموريتاني (ت 489 ھ) في عقيدته ما نصه (اعلم أنه لا يُسأل (عنه) سبحانه بكيف (لأنه لا مثل له) ولا بما (لأنه لا جنس له) ولا بمتى (لأنه لا زمان له) ولا بأين (لأنه لا مكان له).

وقال الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد الوغليسي (4) المالكي البجائي الجزائري (المتوفى سنة 768 هـ) في مقدمته (المقدمة الوغليسية) قال في تنزيه الله تعالى ما نصه (ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، منزه عن التركيبات والتحديدات والتقديرات وعن صفات المتحيزات ولواحق المحدثات، وهو خالق الموجودات وما يجري عليها من التبديلات والتغييرات، واحد لا شريك له (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير).

وقد قال الإمام السبكي في طبقات الشافعية (وها نحن نذكر عقيدة أهل السنة فنقول عقيدتنا أن الله قديم أزليٌّ، لا يُشْبِهُ شيئا ولا يشبهه شىء، ليس له جهة ولا مكان، ولا يجري عليه وقتٌ ولا زمان، ولا يقال له أين ولا حيث، يُرَى لا عن مقابلة ولا على مقابلة، كان ولا مكان، كوَّن المكان، ودبَّرَ الزمان، وهو الآن على ما عليه كان، هذا مذهب أهل السنة، وعقيدة مشايخ الطريق رضي الله عنهم).

(1) الذي بين قوسين ليس من كلام المؤلف إنما زيادة بيان لكلامه رحمه الله.

(2) المكنى أحْمَد بن مُحَمَّد الطرابلسي المغربي الْمُفْتى المالكى الزَّاهِد يعرف بالمكنى ولد سنة 1042 وَتوفى فِي حُدُود سنة 1100 مائَة وألف صنف شكر المنة فِي نصر السّنة.

(3) في القرن الخامس الهجري ولد القاضي المُرادي في القيروان وتلقى تعليمه الأولي فيها ثم دخل بلاد الأندلس وانتقل في زمن دولة المرابطين إلى آزوكي في صحراء موريتانيا حيث تولى القضاء وعُرف بقاضي الصحراء كان رجلا نبيها عالما وإماما في أصول الدين وكانت وفاته في هذه المدينة سنة 489 ھ، وقبره فيها يزار إلى الآن.

(4) اعتنى أهل العلم بكتاب المقدمة الوغليسية فتجلى ذلك في ما سجَّلته كتب التراجم والفهارس من شروح عليها حيث تهافت العلماء لشرحها مما ساعد على شهرتها وانتشارها وكانت وفاة الشيخ أبي زيد الوغليسي في سنة 786 هـ وقد تم دفنه في بجاية في الجزائر ومن تلاميذه الشيخ عبد الرحمن الثعالبي صاحب الجواهر الحسان في تفسير القرآن رحمهما الله ونفعنا ببركاتهم ءامين.