مَا حُكْمُ الِانْتِحَارِ.

مَا حُكْمُ الِانْتِحَارِ.
        اعْلَمْ أَنَّ الِانْتِحَارَ ذَنْبٌ كَبِيرٌ فَلا يَجُوزُ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ وَقَوْلِهِ ﷺ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَىْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِى قَتَلَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَعْفُ اللَّهُ عَنْهُ يُعَذَّبُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ مُدَّةً بِمَا قَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلا يَكُونُ كَافِرًا لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ رَجُلًا مُهَاجِرًا مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا فَلَمْ يَصْبِرْ فَقَطَعَ بَرَاجِمَهُ أَىْ مَفَاصِلَ أَصَابِعِهِ بِحَدِيدَةٍ فَصَارَ الدَّمُ يَسِيلُ فَمَاتَ، ثُمَّ رَءَاهُ رَفِيقُهُ الَّذِى هَاجَرَ مَعَهُ فِى الْمَنَامِ بِهَيْأَةٍ حَسَنَةٍ وَرَءَاهُ مُغَطِيًّا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ قَالَ غَفَرَ لِى بِهِجْرتِى إِلَى نَبِيِّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ فَمَا لِيَدَيْكَ قَالَ قِيلَ لِى إِنَّا لا نُصْلِحُ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ. ثُمَّ قَصَّ الرَّجُلُ عَلَى النَّبِىِّ الرُّؤْيَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِى قَتَلَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ مَا فَعَلَهُ حَلالٌ لا يَكْفُرُ إِنَّمَا عَلَيْهِ ذَنْبٌ كَبِيرٌ أَمَّا إِنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ قَالَ الإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِىُّ أَحْمَدُ بنُ سَلامَةَ الْمِصْرِىُّ فِى عَقِيدَتِهِ وَلا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ مَا لَمْ يَسْتَحِلَّهُ. وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْقِبْلَةِ الْمُؤْمِنُونَ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى مَنْ أَحْرَقَ نَفْسَهُ شَهِيدًا وَلا يَجُوزُ اسْتِحْسَانُ فِعْلِهِ.