بيان أنَّ اختلاف العُلماء في الجواز الشَّرعيِّ السَّمعيِّ لوُقوع صغائر لا خسَّة فيها مِن الأنبياء عليهمُ السَّلام

بيان أنَّ اختلاف العُلماء في الجواز الشَّرعيِّ السَّمعيِّ

لوُقوع صغائر لا خسَّة فيها مِن الأنبياء عليهمُ السَّلام

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.

1

وبعدُ فقد قال الفقيه المالكيُّ يحيَى بن مُوسَى الرَّهونيُّ في [تُحفة المسؤُول] بعد أن ذكر اختلاف العُلماء في جواز صغائر لا خسَّة فيها على الأنبياء عليهمُ السَّلام ما نصُّه: <وَاعلَم أَنَّ الخِلَافَ فِي هَذَا القِسمِ فِي الجَوَازِ العَقلِيِّ وَفِي الجَوَازِ السَّمعِيِّ أَيضًا> انتهَى -وضعنا كامل كلامه مُرفَقًا في ذيل مقالنا هذا-.

2

وهذا دليل على جهل أهل الفتنة الَّذين زعموا أنَّ اختلاف العُلماء في صغائر لا خسَّة فيها على الأنبياء هُو في الجواز العقليِّ دُون الجواز الشَّرعيِّ السَّمعيِّ فكيف يرُدُّون على هذا الفقيه المالكيِّ وغيره مِن عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة الَّذين بيَّنوا الصَّواب في كُتُبهم وهي مُتوفِّرة بين الأيادي في الشَّرق والغرب!

3

وقال الفقيه الشَّافعيُّ بدر الدِّين الزَّركشيُّ: <وَأَمَّا الصَّغَائِرُ الَّتِي لَا تُزرِي بِالمَنَاصِبِ وَلَا تَقدَحُ فِي فَاعِلِهَا فَفِي جَوَازِهَا خِلَافٌ مِن حَيثُ السَّمعُ> انتهَى وقوله: (مِن حيث السَّمع) أي مِن حيث الشَّرع فهل يطعن أهل الفتنة بمعرفة هذا الفقيه الشَّافعيِّ بمحلِّ اختلاف أهل السُّنَّة في مسألة العصمة!

4

وقال القاضي الباقلانيُّ عن الأنبياء في الصَّغائر الَّتي لا خسَّة فيها: <وَكَثِيرٌ مِن أَهلِ الحَقِّ يَقُولُونَ إِنَّهُم وَإِن وَاقَعُوهَا فَإِنَّمَا يُوَاقِعُونَهَا وَيَفعَلُونَهَا مَعَ خَوفٍ شَدِيدٍ وَإِعظَامٍ لَهَا وَتَعقِيبِهَا بِالنَّدَمِ وَالاِستِغفَارِ> انتهَى مِن [شرح الأنصاريِّ على [الإرشاد] للجُوينيِّ] فهل يحكُم أهل الفتنة بكُفر كثير مِن أهل الحقِّ!

5

والأدلَّة أكثر مِن أن تنحصر والمُنصف يكفيه دليل واحد وكان يكفي قول الإمام النَّوويِّ في [شرح مُسلم] بعد أن ذكر قول الجُمهور: <وَحُجَّتُهُم ظَوَاهِرُ القَرآنِ وَالأَخبَارِ> انتهَى ولكنَّ أهل الفتنة لم يفهموا كلامه وتكبَّروا عن قَبول الحقِّ فكفَّروا جُمهور أهل السُّنَّة والجماعة بغير حقٍّ والعياذ بالله تعالَى!

6

ومعنى كلام الإمام النَّوويِّ: <وَحُجَّتُهُم ظَوَاهِرُ القَرآنِ وَالأَخبَارِ> انتهَى يدُلُّ أنَّ الجُمهور يقول بوُقوع ذلك مِن الأنبياء حقيقة لأنَّ الظَّواهر أخبرت بالوُقوع وجاء لفظ الذَّنب في القرآن مُضافًا إلى بعضهم فلمَّا أخبر النَّوويُّ أنَّ الجُمهور احتجُّوا بتلك الظَّواهر تبيَّن أنَّهُم لم يتأوَّلوها ولو تأوَّلُوها لَمَا احتجُّوا بها.

7

أمَّا أهل الفتنة مِن الجَهَلَة المُتصولحة فلا يعرفون أنَّ كُلَّ لفظ في القُرآن الكريم على حقيقته حتَّى تدعو ضرورة لتأويله فإذا احتجَّ الجُمهور بالظَّاهر فهذا معناه أنَّ الجُمهور حملوا اللَّفظ على ظاهره والظَّاهر أخبر بالوُقوع وليس بغير ذلك فمتَى يفهم أهل الفتنة قول جُمهور أهل السُّنَة والجماعة؟

نهاية المقال.

8

يقول أبو زكريَّا يحيَى بن مُوسَى الرَّهونيُّ المُتوفَّى 773هـ في [تُحفة المسؤُول شرح مُختصر مُنتهَى السُّول] المجلد الثاني صـ/174-175-176 بتحقيق “الهادي بن الحسين شبيلي” بعد أن ذكر اختلاف العُلماء في جواز صغائر لا خسَّة فيها على الأنبياء عليهمُ السَّلام ما نصُّه: <وَأَمَّا الصَّغَائِرُ الَّتِي لَا خِسَّةَ فِيهَا فَجَوَّزَهَا عَمدًا أَو سَهوًا الأَكثَرُونَ وَبِهِ قَالَ أَبُو جَعفَرٍ الطَّبَرِيُّ مِن أَصحَابِنَا؛ وَمَنَعَتهُ طَائِفَةٌ مِنَ المُحَقِّقِينَ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالمُتَكَلِّمِينَ عَمدًا وَسَهوًا قَالُوا: لِاختِلَافِ النَّاسِ فِي الصَّغَائِرِ وَلِأَنَّ جَمَاعَةً ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ كُلَّ مَا عُصِيَ اللهُ بِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ؛ وَلِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِاتِّبَاعِهِم وَأَفعَالُهُم يَجِبُ الاِقتِدَاءُ بِهِا عِندَ أَكثَرِ المَالِكِيَّةِ وَبَعضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَفِيَّةِ فَلَو جَازَت مِنهُمُ المَعصِيَةُ لَكُنَّا مَأمُورِينَ بِاتِّبَاعِهَا. وَاعلَم أَنَّ الخِلَافَ فِي هَذَا القِسمِ فِي الجَوَازِ العَقلِيِّ وَفِي الجَوَازِ السَّمعِيِّ أَيضًا وَكَثِيرٌ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ خِلَافٌ مِن هَذِهِ التَّفَاصِيلِ هُوَ مِن بَابِ الظُّنُونِ فَالاِعتِمَادُ فِيهِ عَلَى مَا يُسَاعِدُهُ مِنَ الأَدِلَّةِ الظَّنِيَّةِ نَفيًا أَو إِثبَاتًا وَذَلِكَ مُستَوفا فِي عِلمِ الكَلَامِ وَإِنَّمَا اقتَصَرَ المُصَنِّفُ عَلَى الحُكمِ وَلَم يَذكُرِ الدَّلِيلَ لِأَنَّ هَذِهِ المَسأَلَةَ مِن مَبَادِئِ هَذَا العِلمِ> انتهَى.

No photo description available.

الدعاء لي ولوالديا بالخير بارك الله فيكم