فتنة الجهلة المتصولحة الَّذين كفَّروا العُلماء في مسألة عصمة النَّبيِّين

تحذير المُسلمين

مِن فتنة الجهلة المتصولحة

الَّذين كفَّروا العُلماء في مسألة عصمة النَّبيِّين

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.

1

وبعدُ فإنَّ المئات مِن عُلماء المُسلمين نصُّوا في كُتُبهم بالصَّريح لا بالتَّلميح أنَّ مسألة عصمة الأنبياء عن الصَّغائر الَّتي لا خسَّة فيها مسألة خلافيَّة لا تقتضي تبديعًا ولا تكفيرًا وأنَّ جُمهور عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة قالوا بجواز صُدُور صغيرة لا خسَّة فيها مِن الأنبياء لكن يتوبون فورًا قبل أن يُقتَدَى بهم فيها.

2

فقد قال بدر الدِّين الزَّركشيُّ فِي كتابه [البحر المُحيط في أُصول الفقه]: <وَنَقَلَ القَاضِي عِيَاضٌ تَجوِيزَ الصَّغَائِرِ وَوُقُوعَهَا عَن جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ وَقَالَ فِي [الإِكمَالِ]: إِنَّهُ مَذهَبُ جَمَاهِيرِ العُلَمَاءِ> انتهَى ومثل قوله قال ما لا يكاد يُحصَى كثرة مِن عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة.

3

ونقل الإمام النَّوويُّ مِن مشاهير عُلماء أهل السُّنَّة أن مذهب الجُمهور القول بوُقُوع صغائر مِن الأنبياء فقال في [شرح مُسلم]: <وَاختَلَفُوا فِي وُقُوعِ غَيرِهَا مِنَ الصَّغَائِرِ مِنهُم فَذَهَبَ مُعظَمُ الفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ وَالمُتَكَلِّمِينَ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ إِلَى جَوَازِ وُقُوعِهَا مِنهُم وَحُجَّتُهُم ظَوَاهِرُ القُرآنِ وَالأَخبَارِ> انتَهَى.

4

وهذه الصَّغائر مقيَّدة بأنَّها لا خسَّة فيها ولا دناءة ولذلك فهي لا تُزري بالأنبياء ولا تقدح في نُبُوَّتهم ولذلك تكلَّم الفقيه المالكيُّ أبو العبَّاس المغربيُّ المُتوفَّى 1128 للهجرة عن تعمُّد الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها فقال في [شرح المقاصد]: (ليس ممَّا يُنَفِّر عنِ الاتِّباع ولا ممَّا يُوجب عقوبة الأنبياء) انتهَى.

5

وقال الشَّيخ داود القرصيُّ الحنفيُّ في [شرحه على القصيدة النُّونيَّة]: <وَزَعَمَ جُمهُورُ الشِّيعَةِ وَالرَّوَافِضِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيهِم ذَنبٌ أَصلًا لَا كَبِيرَةٌ وَلَا صَغِيرَةٌ لَا عَمدًا وَلَا سَهوًا لَا قَبلَ النُّبُوَّةِ وَلَا بَعدَهَا وَهَذَا كَمَا تَرَى يُرَى أَنَّهُ تَعظِيمٌ لَهُم وَلِذَا اشتَهَرَ بَينَ الجَهَلَةِ المُتَصَولِحَةِ زَعمًا مِنهُم أَنَّهُ هُوَ التَّعظِيمُ> انتَهَى.

6

وهؤُلاء الجَهَلَة المُتصولحة وُجِدَ مَن هُم أكثر منهُم جهلًا وتصولُحًا في زماننا! فمنصَّات التَّواصل الاجتماعيِّ كفايسبوك تشهد مُنذ سنوات كيف شجَّعوا بعضَهُم على المُنكر حتَّى تجرَّأُوا على تكفير جُمهور أهل السُّنَّة والجماعة لقولهم بجواز وُقوع صغائر لا خسَّة فيها مِن الأنبياء عليهمُ السَّلام.

7

والجَهَلَة المُتصولحة في زماننا في مُخاطبتهم للعامَّة يطعنون بقول الجُمهور بعد نقله مُحَرَّفًا فيستعملون لفظ (الحرام) هكذا مُطلَقًا ولا يُبَيِّنُون أنَّ المُراد الصَّغائر الَّتي لا خسَّة فيها ولا دناءة بقصد تنفير النَّاس واستزلالهم إلى قَبول دعواهُم في تكفير مَن قال بقول الجُمهور مِن عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة.

8

وأنكر الجَهَلَة المُتصولحة أن يُقال: (الأنبياء يُنَبَّهُونَ فينتهون) وهذا طعن بجُمهور أهل السُّنَّة لأنَّ هذا ما نقله العُلماء عن الجُمهور. قال الفقيه الحنفيُّ عليٌّ القاري في [مرقاة المفاتيح]: <وَالجُمهُورُ جَوَّزُوا وُقُوعَ الصَّغَائِرِ عَمدًا، لَكِنِ المُحَقِّقُونَ مِنهُمُ اشتَرَطُوا أَن يُنَبَّهُوا عَلَيهِ فَيَنتَهُوا عَنهُ> انتهَى مُختصَرًا.

9

وأنكر الجَهَلَة المُتصولحة قول شيخنا الهرريِّ: <فيُنَبَّهُونَ للتَّوبة فورًا قبل أن يقتدي بهم فيها أحد> انتهَى ثُمَّ قال قائلُهُم مُنكرًا: (يعني أنَّ النَّبيَّ يبقى على المعصية حتَّى يُنَبِّهَهُ ربُّه)! فأخفَوا قول شيخنا: <فورًا>! وهذه خيانة اقتحموها بُغية استزلال النَّاس إلى تكفير شيخنا الهرريِّ بغير حقٍّ والعياذ بالله.

10

فيتبيَّن أنَّ الجَهَلَة المُتصولحة -عاملهم الله بما يستحقون- يطعنون بمذهب الجُمهور وأكابر عُلماء الأُمَّة بعد الإيهام بأنَّه مذهب بعض الأغرار، ثُم يستعملون ألفاظًا لخداع النَّاس كاستعمال لفظ الحرام مُطلَقًا بلا تقييد بصغيرة لا خسَّة فيها ثُمَّ يُنكرون على بعض العُلماء بعد اجتزاء كلامهم.

11

مِن هُنا فإنَّنا نُحذِّر مشايخ المُسلمين مِن فتنة الجَهَلَة المُتصولحة في زماننا فإنَّهم دُعاة إلى التَّكفير بغير حقٍّ وإنَّ لازم ما يقولونه تكفيرُ جُمهور عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة وأكثر العُلماء مِن المُتقدِّمين مِن السَّلف الصَّالح مِن الصَّحابة والتَّابعين فاحذرُوهم وحذِّروا منهُم فإنَّ في التَّحذير منهم أجرًا لمن فعل.

12

وفي عُجالة فإنَّ ممَّا يدُلُّ على مذهب الجُمهور في جواز صغائر لا خسَّة فيها على الأنبياء عليهمُ السَّلام أنَّ النَّوويَّ بعد أن ذكر مذهب الجُمهور قال: (وَحُجَّتُهُم ظَوَاهِرُ القُرآنِ وَالأَخبَارِ) انتهَى ولا خلاف أنَّ الذَّنب في ظاهر نصِّ الشَّرع ذنب في حقيقة الشَّرع أي ذنب حقيقيٌّ وهذا ممَّا لا يخفَى على طالب علم.

13

وقال القاضي عياض بعد أن ذكر قولَي أهل السُّنَّة والجماعة: <وَلَا يَجِبُ عَلَى القَولَينِ أَن يُختَلَفَ أَنَّهُم مَعصُومُونَ عَن تَكرَارِ الصَّغَائِرِ وَكَثرَتِهَا إِذ يُلحِقُهَا ذَلِكَ بِالكَبَائِرِ، وَلَا فِي صَغِيرَةٍ أَدَّت إِلَى إِزَالَةِ الحِشمَةِ وَأَسقَطَتِ المُرُوءَةَ وَأَوجَبَتِ الإِزرَاءَ وَالخَسَاسَةَ فَهَذَا أَيضًا مِمَّا يُعصَمُ عَنهُ الأَنبِيَاءُ إِجمَاعًا> انتهَى.

14

وقد علمتُم أنَّ ترك الأَولَى وكذلك ما يُطلق عليه معصية مجازًا؛ مهمَا تكرَّر وكثُر فإنَّه لا يلتحق بالكبائر بل ولا يلتحق بالصَّغائر الحقيقيَّة فتبيَّن أنَّ مُراد القاضي عياض فيما نسبه إلى الجُمهور تجويز الصَّغيرة الحقيقيَّة الَّتي لا خسَّة فيها بدليل بيانه أنَّها لا تتكرَّر ولا تكثُر لأنَّ هذا يُلحقُها بالكبائر فتأمَّل..

15

وقد جعل الله تعالَى في أهل الفتنة علامة زندقة فإنَّهُم يُصحِّحون القول بتجويز الكذب على الأنبياء قبل الوحي! والكذب يُنافي مدلول المُعجزة ولا خلاف بين المُسلمين على عصمة الأنبياء ممَّا يُنافي مدلول المُعجزة، وإنَّما اختلف العُلماء في الصَّغيرة الَّتي لا خسَّة فيها؛ ومعلوم أنَّ هذه لا تُنافي مدلول المُعجزة.

16

والخُلاصة أنَّ أهل الفتنة قوم بُهت أطلقوا التَّكفير بغير حقٍّ فأصابوا أكثر أئمَّة المُسلمين لا سيَّما المُتقدِّمين رضوان الله عليهم فيجب على مشايخ المُسلمين -في الشَّرق والغرب- الحذر والتَّحذير مِن هؤُلاء إذا اجتمعُوا بهم فإنَّ التَّكفير بغير حقٍّ آفة عظيمة.. وآخر كلامي أن الحمدلله ربِّ العالمين.

نهاية المقال.

https://www.facebook.com/profile.php?id=100060758411431