(1)

 تَفْسِيرُ حَدِيثِ بَدَأَ الدِّينُ غَرِيبًا (1)

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ وَصَلَوَاتُ اللَّهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ وَالْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ وَعَلَى جَمِيعِ إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَسَلامُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رَوَيْنَا فِى صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “إِنَّ هَذَا الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ”. اهـ [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]

وَعِنْدَ التِّرْمِذِىِّ: “وَمَنِ الْغُرَبَاءُ قَالَ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ سُنَّتِى”. اهـ

مَعْنَى بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مُضْطَهَدِينَ فِى مَكَّةَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الأَذَى حَتَّى إِنَّهُمْ مَرَّةً أَكْرَهُوا ثَلاثَةً مِنْ مَشَاهِيرِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْكُفْرِ فَامْتَنَعَ اثْنَانِ وَقَالَ الثَّالِثُ مَا أَرَادُوا مِنْهُ لِيُنْقِذَ نَفْسَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَوْلَهُ فِى سُورَةِ النَّحْلِ:
﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَّنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.

قَالَ الرَّسُولُ ﷺ لِهَذَا الَّذِى أَعْطَى الْكُفَّارَ مَا أَرَادُوا مِنْهُ مِنْ كَلِمَةِ الْكُفْرِ: “كَيْفَ كَانَ قَلْبُكَ حِينَ قُلْتَ مَا قُلْتَ كَانَ مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ فَقَالَ نَعَمْ”. 

هذه الاية فيهَا تَفْصِيلٌ فِى الْمُكْرَهِينَ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ إِنْ كَانَ قَلْبُهُ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْكُفْرِ مُنْشَرِحًا بِالْكُفْرِ الَّذِى يَتَلَفَّظُ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ اللَّهِ يَسْتَحِقُّ عَذَابَ اللَّهِ الْخَالِدَ الأَبَدِىَّ وَأَمَّا إِنْ كَانَ عِنْدَ نُطْقِهِ لَيْسَ شَارِحًا صَدْرَهُ بَلْ يَكْرَهُ الْكُفْرَ الَّذِى يَنْطِقُ بِهِ فَهُوَ نَاجٍ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يُكْتَبُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِى شَرَحَ صَدْرَهُ عِنْدَ الإِكْرَاهِ وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَ مُسْلِمًا إِنَّمَا شَرَحَ صَدْرَهُ لِلْكُفْرِ عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِهِ فَهَذَا غَيَّرَ اعْتِقَادَهُ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ وَكَارِهًا لِلْكُفْرِ.

وَأَمَّا الَّذِى لَمْ يَزَلْ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَ النُّطْقِ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ فَلَمْ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِكَلِمَةِ الْكُفْرِ فَهُوَ نَاجٍ فَهُوَ الَّذِى اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾

وَأَمَّا الآخَرُ الَّذِى تَغَيَّرَ اعْتِقَادُهُ فَشَرَحَ صَدْرَهُ عِنْدَ النُّطْقِ بِتْلَكَ الْكَلِمَةِ فَهُوَ الَّذِى عَنَاهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنْ مَّنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ﴾.

هَذِهِ الآيَةُ الْبَلِيغَةُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُوجَزِ أَعْطَتْ حُكْمَ الِاثْنَيْنِ فَمَا أَعْظَمَ بَلاغَةَ الْقُرْءَانِ، وَبَلاغَتُهُ هِىَ لَيْسَتْ فِى طَاقَّةِ الْبَشَرِ أَنْ يَأْتُوا بِهَا.

هَذَا مَعْنَى الآيَةِ: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَّنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.

النِّيَّةُ تُعْتَبَرُ فِى الْمُكْرَهِ، الْمُكْرَهُ هُوَ الَّذِى لا يَكْفُرُ إِذَا نَطَقَ بِالْكُفْرِ إِلَّا إِذَا غَيَّرَ نِيَّتَهُ فَشَرَحَ صَدْرَهُ بِالْكُفْرِ الَّذِى يَتَلَفَّظُ بِهِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُكْرَهِ فَلا يُشْتَرَطُ فِى ثُبُوتِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ النِّيَّةُ وَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الأَئِمَّةِ. 

لِذَلِكَ قَسَّمُوا الْكُفْرَ ثَلاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمٌ هُوَ كُفْرٌ لَفْظِىٌّ وَلَوْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ اعْتِقَادٌ وَنِيَّةٌ وَقِسْمٌ فِعْلٌ إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ نِيَّةٌ أَوْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِهِ كَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِى الْقَاذُورَاتِ فَمَنْ فَعَلَ هَذَا كَفَرَ بِفِعْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ اعْتِقَادٌ، وَقِسْمٌ اعْتِقَادِىٌّ وَهُوَ كَاعْتِقَادِ الشَّبَهِ بِالْمَخْلُوقِ فِى اللَّهِ تَعَالَى أَوِ التَّرَدُّدِ أَىِ الشَّكِّ فِى وُجُودِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. > سيرة الانبياء والصالحين:

 تَفْسِيرُ حَدِيثِ بَدَأَ الدِّينُ غَرِيبًا (2)

وَالشَّكُّ فِى كَلامِ الْفُقَهَاءِ مَا لَيْسَ خَاطِرًا لِأَنَّ الْخَاطِرَ بِالإِجْمَاعِ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ بَلِ الَّذِى يَخْطُرُ لَهُ الْكُفْرُ ثُمَّ لا يَعْتَقِدُهُ بَلْ لا يَزَالُ عَقْدُ قَلْبِهِ جَازِمًا بِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَهُ ثَوَابٌ لا يَضُرُّهُ هَذَا الْخَاطِرُ.

فَالْحَاصِلُ فِى هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ أَنَّ الْكُفْرَ الْقَوْلِىَّ قَدْ يَكُونُ مُسْتَقِلًّا عَنِ النِّيَّةِ وَالِاعْتِقَادِ وَكَذَلِكَ الْكُفْرُ الْفِعْلِىُّ قَدْ يَكُونُ مُسْتَقِلًّا يَثْبُتُ بِمُفْرَدِهِ الْكُفْرُ لَوْ لَمْ يُضَفْ إِلَيْهِ نِيَّةٌ وَكَذَلِكَ الِاعْتِقَادِىُّ يَثْبُتُ الْكُفْرُ بِهِ مِنْ دُونِ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ قَوْلٌ وَلا فِعْلٌ فَمَنْ جَهِلَ هَذَا وَأَنْكَرَ تَقْسِيمَ الْكُفْرِ إِلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ فَهُوَ مِنْ أَجْهَلِ خَلْقِ اللَّهِ بِدِينِ اللَّهِ وَلَيْسَ لَهُ سَهْمٌ فِى الإِسْلامِ.

شَخْصٌ فِى هَذَا الْبَلَدِ أَنْكَرَ تَقْسِيمَ الْكُفْرِ إِلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ فَهَذَا فِى الْحَقِيقَةِ كَأَنَّهُ فَضَحَ نَفْسَهُ بِالْجَهْلِ الْعَمِيقِ وَنَادَى عَلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِ أَيُّهَا النَّاسُ اعْلَمُوا أَنِّى جَاهِلٌ بِدِينِ اللَّهِ، فَلا يَغُرَّنَّكُمْ كَوْنُ الرَّجُلِ مِنْطِيقًا [الْمِنْطِيقُ هُوَ الْبَلِيغُ الْكَلامِ كَمَا فِى تَاجِ الْعَرُوسِ]، لَيْسَ الشَّأْنُ بِكَثْرَةِ الْكَلامِ إِنَّمَا الشَّأْنُ فِى مُوَافَقَةِ الْحَقِّ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “لَيْسَ الْبَيَانُ كَثْرَةَ الْكَلامِ لَكِنَّ الْبَيَانَ إِصَابَةُ الْحَقِّ وَلَيْسَ الْعِىُّ قِلَّةَ الْكَلامِ إِنَّمَا الْعِىُّ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ”. اهـ [رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِى صَحِيحِهِ] أَىْ أَخْطَأَهُ وَزَاغَ عَنْهُ.

فَلا يَغُرَّنَّكُمْ كَوْنُ الرَّجُلِ كَثِيرَ الْبَيَانِ لِأَنَّ الْبَيَانَ قِسْمَانِ بَيَانٌ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ الْمُوَافِقِ لِلدِّينِ وَبَيَانٌ تُسْتَمَالُ بِهِ قُلُوبُ النَّاسِ يُزَخْرَفُ بِهِ الْقَوْلُ يُوهَمُ بِهِ النَّاسُ أَنَّهُ حَقٌّ وَهُوَ لَيْسَ بِحَقٍّ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِىِّ ﷺ: “إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا”.اهـ
[رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِى صَحِيحِهِ].

نَعُودُ إِلَى شَرْحِ حَدِيثِ إِنَّ الإِسْلامَ بَدَأَ غَرِيبًا مَعْنَى غَرَابَةِ الإِسْلامِ فِى أَوَّلِهِ فِى أَوَّلِ بِعْثَةِ النَّبِىِّ هُوَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُضْطَهَدُونَ مِنْ قِبَلِ أَعْدَائِهِمُ الْكُفَّارِ فِى أَوَّلِ بِعْثَةِ النَّبِىِّ ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا مُضْطَهَدِينَ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِإِذْنٍ مِنَ اللَّهِ.

الرَّسُولُ ﷺ قَدْ أُوذِىَ كَثِيرًا ضُرِبَ بِأَيْدِى الْكُفَّارِ حَتَّى إِنَّهُ بَعْضَ الْمَرَّاتِ غُشِىَ عَلَيْهِ ﷺ وَأَمَّا أَصْحَابُهُ فَكَانَ الْبَلاءُ فِيهِمْ شَدِيدًا جِدًّا، عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ أُمُّهُ قَتَلَهَا أَبُو جَهْلٍ لِأَنَّهَا أَسْلَمَتْ بِحَرْبَةٍ طَعَنَ بِهَا قُبُلَهَا [ذَكَرَهُ الْفَاكهِىُّ فِى أَخْبَارِ مَكَّةَ] كَذَلِكَ يَاسِرٌ وَالِدُ عَمَّارٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ نَالَهُ أَذًى كَبِيرٌ مِنَ الْكُفَّارِ وَقَتَلُوهُ. > سيرة الانبياء والصالحين:

 تَفْسِيرُ حَدِيثِ بَدَأَ الدِّينُ غَرِيبًا (3)

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاضْطِهَادَ كَانَ يُصِيبُ الْمُسْلِمِينَ فِى أَوَّلِ بِعْثَةِ النَّبِىِّ ﷺ وَكَانَ قِسْمٌ مِنْهُ بِالْفِعْلِ وَقِسْمٌ مِنْهُ بِالْقَوْلِ بِالشَّتْمِ وَالإِهَانَةِ ثُمَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ قَوِىَ الْمُسْلِمُونَ فَلَمْ يُتَوَفَّ رُسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَّا وَقَدْ فَتَحَ الْجَزِيرَةَ الْعَرَبِيَّةَ مَعَ اتِّسَاعِ مَسَافَتِهَا فَالرَّسُولُ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ سَيَعُودُ هَذَا الِاضْطِهَادُ بَعْدَ قُوَّةِ الإِسْلامِ وَظُهُورِهِ فَالآنَ فِى وَقْتِنَا هَذَا تَحَقَّقَتْ غُرْبَةُ الإِسْلامِ، أَلَيْسَ تَرَوْنَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِالْحَقِّ الْمُوَافِقِ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ يُضْطَهَدُ وَيُشْتَمُ وَيُؤْذَى وَيُسَفَّهُ كَالَّذِى يُكَفِّرُ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى فِى حَالِ غَضَبٍ أَوْ حَالِ مَزْحٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ الْحَقَّ أَنَّ سَبَّ اللَّهِ كُفْرٌ فِى حَالِ الْجِدِّ وَالْمَزْحِ وَالْغَضَبِ. 

وَكَذَلِكَ إِنْكَارُهُمْ لِتَرْكِ مُصَافَحَةِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ الأَجْنَبِيَّةَ مَعَ أَنَّ الرَّسُولَ وَأَصْحَابَهُ وَمَنْ تَبِعَهُ بِإِحْسَانٍ لَمْ يُصَافِحُوا النِّسَاءَ الأَجْنَبِيَّاتِ قَطُّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِحِلِّهِ إِنْ كَانَ لِطَلَبِ التَّلَذُّذِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ.

وَلَقَدْ أُوذِىَ أُنَاسٌ فِى بَيْرُوتَ لِأَنَّهُمْ مَا وَافَقُوا عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِ الْفَلَكِىِّ، وَالإِجْمَاعُ إِجْمَاعُ عُلَمَاءِ الإِسْلامِ قَدِ انْعَقَدَ أَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ لا يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْفَلَكِىِّ لِأَنَّ الرَّسُولَ ﷺ وَضَعَ قَانُونًا سَمَاوِيًّا فَقَالَ: “صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ”. اهـ
[رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ]

جَمَاعَتُنَا وَقَفُوا عِنْدَ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يُوَافِقُوا مَنْ أَثْبَتَ رَمَضَانَ بِقَوْلِ الْفَلَكِىِّ ثُمَّ أُوذُوا عَلَى ذَلِكَ أَذًى شَدِيدًا حَتَّى مِنْ قِبَلِ بَعْضِ أَصْحَابِ الْعَمَائِمِ مَعَ أَنَّ الَّذِى دَرَسُوهُ فِى دِرَاسَاتِهِمْ هُوَ أَنَّ الصِّيَامَ لا يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْفَلَكِىِّ.

وَهُنَاكَ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ أُخْرَى مِمَّا يُضْطَهَدُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِدِينَ اللَّهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: “فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ” فَهُوَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: “الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ سُنَّتِى بَعْدِى”. اهـ

فَنَحْنُ بِحَمْدِ اللَّهِ نُحْيِى سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ نَأْمُرُ أَنْفُسَنَا وَغَيْرَنَا بِالتَّمَسُّكِ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِىُّ، مَا أَوْجَبَهُ الرَّسُولُ أَوْجَبْنَاهُ وَمَا حَرَّمَهُ الرَّسُولُ عَلَى أُمَّتِهِ حَرَّمْنَاهُ وَمَا رَغَّبَ فِيهِ النَّبِىُّ أُمَّتَهُ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ عَلَيْهِمُ اعْتَبَرْنَاهُ كَذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى يُثَبِّتُنَا عَلَى هَذَا الْمَنْهَجِ وَيَرْزُقُنَا الصَّبْرَ عَلَى مَنْ يُعَادِينَا بِالْبَاطِلِ. 

الإشارة إلى سيرةِ النَّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم باعِثٌ كبيرٌ للاقْتِداءِ بهِ صلَواتُ ربّي وسلامُهُ عليه.

فإذًا يا أحبابَنا السيرةُ يَتَلَخَّصُ منها فوائد، منها زيادةُ الإيمانِ وزيادةُ اليَقينِ.

لمّا نَدرُسُ سِيرةَ النّبيِّ يَقْوَى إيمانُ المؤمن يزيدُ يَقِينُهُ لأنّ الرّسولَ صلّى اللهُ عليه وسلّم، اتَّخَذَهُ هذا الإنسان الذي قرأَ سِيرَتَهُ صلى الله عليه وسلم أُسْوةً في الصّبرِ على تَكالُبِ الأمَمِ وعلى كَيْدِ إبليسَ وجُنودِهِ، هذا يَشُدُّ مِنْ عزائمِ المؤمنين. لذلك انْظُروا إلى نبِيِّنا صلّى اللهُ عليه وسلّم.

روَى الإمامُ البُخاريُّ أنَّ خبّابَ بن الأرَت في بدايةِ الدّعوةِ جاءَ إلى النبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم وكانَ النبيّ مُتَوسّد بُرْدة (يلبسها) في ظلِّ الكعبةِ، كانوا في أولِ الدّعوةِ يُضرَبون ويُهانُونَ ويُسَبّونَ،

فجاءَ إلى النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم فقالَ لهُ: “يا رسولَ اللهِ ألا تَسْتَنْصِرُ لنا؟ ألا تَدْعُو لنا؟

فقال عليه الصّلاةُ والسّلامُ: قدْ كانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤخَذُ الرّجل فيُحْفَرُ لهُ في الأرضِ حُفرة فيُجْعَلُ فيها فيُجاءُ بالمنْشارِ فيُوضَعُ على رأسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْن ويُمْشَطُ بأمْشاطِ الحديدِ ما دونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ فمَا يَصُدُّهُ ذلكَ عنْ دِينِهِ، واللهِ لَيُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمر حتّى يسيرَ الرّاكِبُ مِنْ صَنْعاءَ إلى حضْرَموْت لا يخافُ إلّا اللهَ والذِّئبَ على غَنَمِهِ ولكنّكُمْ تَسْتَعْجِلون”.

فَرَسولُنا صلَّى الله عليه وسلم ذكرَ سِيَرَ صبر مَنْ قَبْلَنا منَ الأُمَمِ حتّى نَقْتَدِيَ بهمْ صلّى اللهُ عليه وسلّم.

الدعاء لي ولوالديا بالخير بارك الله فيكم