الطلاق فى الإسلام ومستجداته  

الطلاق فى الإسلام ومستجداته  [١]

من فوائد عالم فاس الشيخ الفقيه الأصولِىّ محمد بن محمد التاويل
المتوفى سنة 1436هـ رحمه الله تعالى 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم وبعد فإن مبدأ الطلاق فى الإسلام وحق الزوج فى استعماله بحرية هو من الأحكام الشرعية القطعية الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة جيلًا بعد جيل المعلوةم من الدين بالضرورة عند الخاص والعام يمكن للزوج استعماله متى شاء وأنى شاء وكيف شاء، ينجزه إذا شاء أويعلقه على وجوه شتى أو يطلق طلقة واحدة أو ثلاثا فى كلمة واحدة أو كلمة بعد أخرى يطلق بعوض يأخذه -الخلع- أو بدون عوض، يطلق فى الدار إذا شاء أو فى السوق أو فى المحكمة أو قبل الرفع إليها بحضور الزوجة أو فى غيابها أحبت أم كرهت كما يمكنه أن يطلق بنفسه أو يوكل من شاء ليطلق عنه بالنيابة لا اعتراض عليه فى ذلك كله ولا حجر عليه لأحد فيه ولا حق لقاض ولا غيره فى منعه منه إذا أراده ولا فى إلغائه وإبطاله بعد وقوعه ولا حق له هو فى التراجع عنه إذا ندم عليه أو رفضت المحكمة الاعتراف به أو تصالح مع زوجته كما لا حق لأحد فى إكراهه عليه أو إجباره على مخالعة زوجته دون سبب أو إضرار بها إذا رفض ذلك.

هذا هو موقف الإسلام من الطلاق وهذا رأى الفقه الإسلامى فيه وتلك بعض أحكامه فيها المجمع عليه المتفق عليه وفيها المختلف فيه وقد تكفل الفقهاء بدراستها وإقامة الأدلة على صحتها ولزومها.

ونحن فى هذا البحث نكتفى بالإشارة إلى بعض النقط المثيرة للجدل والاعتراض ونركز على الحكمة من مشروعية الطلاق من أصله والحكمة من جعله بيد الزوج دون الزوجة والمحكمة والشكاوى منه والمستجدات التى أدخلت عليه والنتائج المترتبة على ذلك.

ونخصص لذلك خمسة مطالب:

المطلب الأول فى الحكمة من مشروعية الطلاق

المطلب الثانى فى الحكمة من جعل الطلاق بيد الزوج دون الزوجة

المطلب الثالث فى الانتقادات الموجهة للطلاق

المطلب الرابع فى المستجدات الطارئة على الطلاق

المطلب الخامس فى الآثار والنتائج المترتبة على ذلك.

 المطلب الأول فى الحكمة من مشروعية الطلاق

الطلاق بالرغم مما يقال فيه وما يهاجم وما يكتب عنه فإنه يمثل مظهرا من مظاهر اليسر فى الشريعة الإسلامية ورحمة من رحماته تعالى بهذه الأمة وبابًا من أبواب الفرج ونافذة من نوافذ الأمل للزوج والزوجة والأسرة جميعا للخروج من الأزمات المستعصية التى لا حل لها عند هجومها بأقل ضرر ممكن.

ذلك أن النكاح المغلق الذى لا يحل معه الطلاق هو نوع من الآصار وضرب من الأغلال التى فرضها الله على من قبلنا النصارى وجاءت هذه الشريعة السمحة بوضعها عن هذه الأمة كما قال تعالى (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِى الْأُمِّى الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ) وهو بعد هذا يعتبر العلاج الناجع والحل السلمى الصحيح والأمثل للخروج من زوجية فاشلة غير مرغوب فيها ولا مرحّب بها ينعدم فيها التفاهم والتراحم ويختفى منها الانسجام والتواد والتحاب ويسودها الخلاف والشقاق والكراهية والعداء وتبادل التهم.

ذلك أن الحكمة من مشروعية النكاح هو السكون الطمأنينة والتعاطف والتراحم والتواد بين الزوجين كما يشير لذلك قوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وقوله (هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) فإذا لم تبق هذه الطمأنينة وهذا السكون واختفت من بيت الزوجة الرحمة والمودة وحل محلهما العداء والشقاق لم تبق فائدة فى ذلك النكاح وكانت الرحمة فى التباعد والافتراق كما قال تعالى (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) وكان الطلاق إصلاحا وصيانة لكرامة الزوجة وحماية لها من الذل والهوان الذى تتعرض له من زوج لا رغبة له فيها ويطردها من بيته كما يطرد حيواناته.

وليس فى هذا الطلاق إضرار بالزوجة ولا تخريب للأسرة وتدمير لها كما يحلوا لبعض الزنادقة أن يصفه بذلك لأن الله الذى شرع الطلاق وأطلق يد الزوج فيه وشرعه تعالى لا يوصف بذلك بأى حال من الأحوال. نعم التدمير والتخريب يمكن أن يحدث إذا منع الطلاق وسدت أبوابه وأغلقت نوافذ الخلاص فى وجه من يريد النجاة بنفسه والهروب من الجحيم الذى يعيش فيه ولا يطيق احتماله والصبر عليه فإنه فى هذه الحالة سيحاول النجاة بنفسه بوسائله الخاصة بعيدا عن الشرع والقانون، بعيدا عن الآداب والأخلاق والإنسانية كلها.

وقد بدأت بعض الصحف تتحدث من حين لآخر عن انتحار الأزواج والزوجات والقتل المتبادل من الجانبين. فكيف سيكون الحال إذا منع الطلاق منعا باتا وتحولت الحياة الزوجية إلى سجن دائم بلا نوافذ إغاثة وما هو الحل حينئذ.

– فهل يرفض الجميع دخوله ويقاطعون الزواج خشية البقاء فيه إلى الأبد مهما تعددت المشاكل واستعصت عن الحل.

– وإذا رفضوا فهل يستطيعون التحكم فى عواطفهم والتغلب على نزواتهم الجنسية ويتحول الجميع إلى رهبان وراهبات لا رغبة لهم فى جنس ولا نسل. فتنتهى الإنسانية بانتهائهم وتنقرض بانقراضهم وتفنى بفنائهم.

– أو لا يستطيعون ويتحولون إلى قطعان حيوانية لا تربط رجالهم بنسائهم أية رابطة حب ومودة ورحمة إلا رابطة الجنس يتقاتلون على المرأة ويتصارعون عليها حتى إذا قضوا حاجتهم منها تركوها تقاسى ءالام الحمل والوضع وتربية الأطفال مع ما قد يترتب على هذه الفوضى الجنسية من أمراض قد تفضى على الجنس البشرى.

– أم يغامرون بدخوله وهم يعلمون أنه لا خروج منه حتى إذا ساءت العلاقات بين الزوجين وتوترت انفصل كل منهما عن الآخر جسديا فتبقى المرأة كالمعلقة لا هى زوجة تتمتع بحياة الزوجية ولا هى خلو من الزواج فتبحث عن زوج آخر رغباتها العاطفية والجنسية ويعانى الرجل نفس المشكل لا هو زوج ولا هو خلو من الزواج.

– أم يشجعون على دخوله وتفتح لهم نوافذ الإغاثة للنجاة بأنفسهم عند الحاجة؟ وهذا هو الحل الإسلامى الذى يحث على النكاح ويشجع عليه ويبيح الطلاق.

لا شك أن هذا الحل هو أحسن الحلول وأعدلها.

المطلب الثانى فى الحكمة من جعل الطلاق بيد الزوج دون الزوجة

تتجلى الحكمة من جعل الطلاق بيد الزوج دون سواه فى الحرص على استقرار الأسرة والحد من فرص الطلاق بحصره فى يد واحدة لا أكثر وبجعله فى يد الزوج دون سواه ثانيًا للأسباب التالية:

أولًا لأن الزوج هو رأس الأسرة ومؤسسها والمسؤول عنها فهو الذى يخطب الزوجة ويدفع الصداق ويتحمل نفقات الزوجة والأولاد وسائر مصاريف البيت ومن الحكمة والعدل أن يعطى الحق فى وضع الحد لما بناه وأسسه بجهده وماله كما هو الشأن فى كل المشاريع التى يعطى الحق لمؤسسها فى إنهائها وحلها إذا أراد ذلك.

وثانيًا فإن الزوج هو المتضرر الأول والخاسر الأكبر فى حال الطلاق يخسر ماديا ومعنويا اقتصاديا واجتماعيا يخسر زوجته التى طلقها وما صرفه فى زواجها ويبقى متبوعا لمستحقات الطلاق من متعة وواجبات العدة ونفقات الأبناء وبما يتزوج به من جديد كما يخسر بعضا من مكانته الاجتماعية حيث يحمله الكثير مسؤولية الطلاق ويتهمونه بسوء استعماله وتتخوف النساء من التزوج به كما قد يحرم من حضانة فلذات أكباده.

هذه التبعات من شأنها أن تحمل الزوج على التفكير فى عواقب الطلاق قبل الإقدام عليه والصبر على ما يكرهه من زوجته واحتمال ما لا يعجبه أو يغضبه من أخلاقها وسلوكها بينما الزوجة لا تتحمل شيئا فى إنشاء الأسرة وتسييرها ولا تخسر شيئا بطلاقها حيث تأخذ كل أمتعتها ومؤخر صداقها والمتعة وواجبات العدة مضافا إليها نفقات الأبناء الذين تحضنهم.

وثالثًا فإن الزوج فى الغالب صبور بطبعه متحكم فى أعصابه هادئ فى أغلب أحواله متأن فى اتخاذ قراراته وهى صفات من شأنها أن تحمله على التريث وعدم التسرع فى استعمال الطلاق إلا فى ظروف نادرة خاصة إذا راعينا الخسارة المادية والمعنوية والعائلية والاجتماعية التى تصيبه من جراء الطلاق.

وهذا بعكس المرأة فهى غالبًا قليلة الاحتمال سريعة الانفعال تغضب لأتفه سبب ولغير سبب فلو وكل إليها أمر الطلاق استقلالا وهى لا تخسر شيئا لما ترددت فى استعماله لسبب ولغير سبب ولعم الطلاق كل أسرة ولما نجا منه بيت ولا سلمت منه عائلة والكل يعلم أنه ما من زوج طلق زوجته مرة أو لم يطلقها إلا وقد صمت ءاذانه بقولها طلقنى طلقني.

ورابعًا وأخيرًا فإن هذا شرع الله ودينه الذى فى كتابه وأكده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فى قوله (إنما الطلاق بيد من أخذ بالساق) ومن المعلوم أنه حيثما وجد شرع الله فثم مصلحته وحكمته عرفها من عرفها وجهلها من جهلها فإن الجهل بالحكمة لا يقدح فى صحة الحكم وحكمته ولا يسمح بنقده واعتراضه.

المطلب الثالث فى الانتقادات الموجهة للطلاق

يتعرض الطلاق اليوم لحملات دعائية تشهيرية شرسة منظمة يقوم بها خصوم الإسلام وأعداؤه المكشوفون وعملاؤهم المحسوبون على الإسلام خطأ وزورًا، كل له تهمه التى يكيلها له سرًّا وعلنًا وكل له سلاحه الذى يهاجمه به وكل له شكاواه من ءاثاره وءالامه فهم

  • تارة يستنكرونه ويشككون فى عدالته وحكمته يقولون (الطلاق أبغض الحلال إلى الله) ويقولون الطلاق إضرار بالزوجة والإسلام يحرم الضرر والطلاق تدمير للأسرة وإفساد لها (والله لا يحب الفساد) والطلاق ظلم للزوجة (والله لا يحب الظالمين) فلماذا يسمح للزوج بالطلاق ولا يمنع منه نهائيا إذا كان ضررا وفسادا وظلما وأبغض الحلال إلى الله، ولماذا يبقى الطلاق سيفا مصلتا بيد الزوج فوق رأس الزوجة يقلق راحتها ويهدد مستقبلها ومستقبل أولادها، أليس من حق المسلمة أن تنعم بزوجية هادئة لا يعكر صفوها الطلاق ولا ينهيه إلا الممات كما تنعم بذلك الزوجة النصرانية التى لا تسمح المسيحية للزوج بطلاقها!
  • وتارة ينتقدون جعله بيد الزوج دون الزوجة ويطالبون بإشراك الزوجة فيه وإعطائها حق الطلاق ابتداء واستقلالا ولغير سبب كالزوج تماما أو الضرب على يد الزوج ومنعه منه ووضعه بيد المحكمة تحقيقا لمبدأ المساواة بين الزوجين فى الحقوق الواجبات.
  • وتارة يشتكون من تيسير مسطرته وسرعة إنجازه وتعدد صيغه وأنواعه وحرية استعماله يقولون بمجرد كلمة أنت طالق أو أنت حرام يتفوه بها الزوج فى حال غضبه أو سكره أو هزله تكفى لهدم أسرة وتشتيت عائلة ولا يستطيع أحد الوقوف فى وجهها أو إبطال مفعولها بعد وقوعها ويقولون ويقولون.

المطلب الرابع فى المستجدات الطارئة على الطلاق

لقد كان لهذه الانتقادات والتهجمات صدى واضح وأثر بالغ فى نفوس ضعاف الدين بلغ الأمر بهم إلى حد القيام بشبه انقلاب على الشريعة الإسلامية والتمرد على الفقه الإسلامى والتنكر لأحكامه والتشطيب عليها جملة وتفصيلًا لم يحترموا المنصوص عليه فى الكتاب والسنة ولا المجمع عليه بين علماء الأمة ولا المشهور والراجح فى المذاهب المعتمدة بحجة الحد من ظاهرة الطلاق المنتشرة بزعمهم فى المجتمعات الإسلامية بشكل مخيف.

وأدخلوا على نظام الطلاق عدة مستجدات تحد من حرية الزوج فى استعماله وتضيق من دائرة لزومه وتعقد من مسطرته وهى مستجدات يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات:

الأولى مجموعة الإلغاءات وذلك من خلال إلغاء أنواع كثيرة من الطلاق وعدم الاعتداد بها واعتبارها باطلة كأنها لم تكن ولا أثر لها على الحياة الزوجية والمعاشرة الجنسية بين الزوجين والمواريث وغيرها كما هو الشأن بالنسبة إلى:

– إلغاء طلاق الغضبان الذى خالفوا فيه عموم الأدلة وإطلاقها ولأن الطلاق عادة إنما يقع فى حالة الغضب فإلغاء طلاق الغضبان يؤدى إلى إلغاء الطلاق إلا النادر منه.

– إلغاء الطلاق المعلق على وجود شيء أو عدمه الذى خالفوا الإجماع المنعقد على لزومه إذا وقع المعلق عليه كما قال ابن رشد فى البداية.

– إلغاء الطلاق اللازم فى الحلف بالحرام أو الحلف باليمين.

– إلغاء الطلاق الثلاث فى كلمة واحدة واعتباره طلقة واحدة الذى خالفوا فيه الأدلة الشرعية التى بيّنها علماء المذاهب الأربعة.

– إلغاء الطلاق الواقع قبل الرفع للمحكمة وإذن القاضى فيه الذى خالفوا الكتاب والسنة وإجماع الأمة المنعقد على لزوم الطلاق متى نطق به الزوج أينما كان وحيثما كان وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يطلقون حيثما اتفق لهم فى الحضر والسفر بحضور الزوجة وغيبتها من غير حاجة إلى الرفع إلى المحكمة ويعتدون بذلك الطلاق والنبى صلى الله عليه وسلم حى حاضر بين أظهرهم يقرهم على ذلك ويلزمهم بطلاقهم.

المجموعة الثانية التعقيدات وقد طبقوها من خلال تعقيد مسطرة الطلاق المتمثلة فى استحداث شروط وإجراءات لا أصل لها فى الإسلام مثل

– اشتراط الرفع للمحكمة قبل إيقاع الطلاق.

– اشتراط إذن القاضى أو حكمه

– اشتراط حضور الطرفين الزوج والزوجة

– اشتراط إشهاد العدلين المنتصبين فى دائرة المحكمة التى يوجد بها بيت الزوجة.

– عقد جلسات الصلح قبل الطلاق.

وهى كلها شروط وإجراءات مخالفة للكتاب والسنة وإجماع الأمة، فإن ءايات القرءان الكريم فى موضوع الطلاق على كثرتها ليس فيها أدنى إشارة من قريب أو بعيد إلى ضرورة رفع الأمر إلى المحكمة قبل الطلاق أو انتظار إذن القاضى أو حكمه أو إشهاد خصوص العدلين التابعين لمحكمة ما دون سواهم ولا اشتراط حضور الزوجة وموافقتها.

وكذلك السنة النبوية ليس فيها كلمة واحدة تشترط الرفع إلى الحاكم وموافقتها أو موافقة الزوجة بل فيها ما يدل صراحة على لزوم الطلاق فى غيبة الزوجة ودون إشهاد أو رفع للمحكمة والأحاديث فى ذلك كثيرة جدا نكتفى بالإشارة إلى حديث فاطمة بنت قيس التى طلقها زوجها وهو مسافر وحديث ابن عمر رضى الله عنهما حين طلق زوجته وهى حائض فذكر عمر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بمراجعتها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق.

والحجة فيه أنه طلقها قبل الرفع إلى المحكمة ولم ينكر ذلك وأنكر عليه طلاقها فى الحيض وخيره فى طلاقها بعد الطهر ولم يأمره برفع الأمرإلى الحاكم.

المجموعة الثالثة مجموعة العقوبات الزجرية

من خلال التدابير الزجرية المترتبة على الطلاق بالرغم من مخالفة بعضها للكتاب والسنة والإجماع كما يتبين ذلك مما يأتى:

– المغالاة فى تقدير المتعة لإرهاب الأزواج ومنعهم من حقهم الشرعى فى الطلاق وذلك مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم (متعها ولو بقلنسوتك) ومخالف لما ثبت عنه فى تمتيع مطلقاته من التخفيف والتيسير فى المتعة.

– حرمانه من حضانة أبنائه ولو تزوجت مطلقته وهومخالف لحديث (أنت أحق به ما لم تنكحِى).

-إخراجه من بيته وتسليمه لمطلقته تعيش فيه مع أبنائها منه ومع زوجها الجديد وحرمانه من مسكنه الذى بناه أو اشتراه بعرق جبينه.

المطلب الخامس فى اللآثار والنتائج على ذلك

الآن وبعد اعتماد هذه المستجدات ودخولها حيز التطبيق يُطرح السؤال التالِى هل هذه الاجتهادات الباطلة والإجراءات التعسفية أدّت إلى ما كان يأمله منها واضعوها فيها يعلقونها من استقرار الأسرة وإسعادها ووضع حد للطلاق الذى أعلنت عليه هذه الحرب وماذا ربحت الأسرة وماذا خسرت من ذلك كله؟

الواقع أنها لم تحقق شيئًا من تلك الآمال والأمانى إن لم تكن ساعدت على استفحال الأمر، فالطلاق فى ارتفاع مستمر وأعداد المطلقات فى تصاعد وتكاثر والأسر تعانى من المشاكل أعقدها ومن النزاعات أشدها وتعيش فى دوامة من العنف لم تكن معروفة لديها بلغت حد القتل والانتحار فى بعض الأحيان.

وبتفصيل أدق ماذا ربحت الأسرة وماذا خسرت من إلغاء طلاق السكران وطلاق الغضبان. ألم يكن الزوج فى ظل العمل بالقول المشهور والصحيح من لزوم طلاق السكران يعيش فى حذر شديد وخوف كبير من السكر بعيدًا عن الخمر وحاناتها وأهلها خشية أن يسكر فيطلق وهو لا يدرى فيخسر زوجته وأولاده ثمنا لجرعة خمرة وعربدة ساعة.

وبعد إلغاء طلاق السكران تحرر الأزواج من ذلك الخوف وأمنوا على أنفسهم من العقاب وعلى زوجاتهم وأطفالهم من الفراق واندفعوا نحو الحانات يسكرون ولا يخافون ولم يكتف البعض بذلك فنقلوها إلى بيوتهم وموائدهم وأشركوا فيها زوجاتهم وأولادهم وتحولت البيوتات إلى حانات خصوصية عائلية وكان من نتائج ذلك ما تتحدث عنه الصحف من زنا المحارم وتفشيه فى الأوساط المترفة وما يشكو منه المجتمع من انحراف الشباب والشابات وما تعج به المحاكم من الدعاوى وتضاعفت حالات الطلاق أضعافا مضاعفة عما كان عليه الأمر.

وهكذا تبين أن إلغاء طلاق السكران فتح عدة أبواب أخرى للطلاق ولم يحد من ظاهرته بل وسع دائرته وفتح أبوابا أخرى للفساد فى أوساط الأسرة والأمة كانت فى مأمن منها فى ظل الحكم الشرعى المعترف بصحة طلاق السكران ولزومه عقابا له وتأمينا لأسرته وأمته.

وقريب من هذه النتائج أفرزها إلغاء طلاق الغضبان حيث كان الأزواج فى ظل الفقه الإسلامى الصحيح القاضى بلزوم طلاق الغضبان يتحرون الغضب ويتهربون منه ويتجنبون أسبابه ودواعيه ويحاولون جهدهم التحكم فى أعصابهم والتغلب على مزاجهم ويستحضرون فى حواراتهم ونقاشاتهم مع زوجاتهم وأهليهم وجيرانهم وصاياه صلى الله عليه وسلم فى شأن الغضب. وكذلك كانت الزوجات يحرصن كل الحرص وأشد الحرص على إرضاء أزواجهن وتجنب كل ما من شأنه أن يثير أعصابهم أو يهيج غضبهم وانفعالهم فحققوا الكثير لأنفسهم وأهليهم وضمنوا الطمأنينة والاستقرار فى بيوتهم والرحمة والمودة بينهم ولم يتورط الأزواج فى طلاق زوجاتهم وتشتيت بيوتهم وشكل ذلك الحكم الشرعى القاضى بلزوم طلاق الغضبان سدًا منيعًا وحاجزًا صلبًا بين الأزواج وبين الغضب فاستراحوا وأراحوا، واليوم وقد تحرروا من ذلك الحكم ولم يبق ما يحول بينهم وبين الغضب بعد تحطيم ذلك الحاجز الشرعى أصبح الناس أحرارًا فى سلوكهم وتصرفاتهم يغضبون ويغاضبون ولا يخافون عاقبة الغضب ولا يقفون عند حد من حدوده، يغضبون لأقل الأسباب وثورون لأتفه الأمور ويطلقون ولا يبالون، وتحولت البيوت الهادئة والأسس الوديعة إلى بيوتات صاخبة وأسر متخاصمة متشاكسة بلغ حد الاعتداء الجسدى بعضهم على بعض.

وأخطر النتائج كلها ما أفرزه إلغاء الطلاق الواقع قبل الرفع إلى المحكمة أو الذى لا توافق عليه المحكمة فإنه يترتب عليه:

  1. حرمان الزوج من حقه فى الطلاق متى شاء وأنى شاء الذى ضمنه له الإسلام
  2. فتح الباب أمام الزوج لمعاشرة مطلقةٍ يحرم عليه معاشرتها بإجماع الأمة.
  3. توريث من لا يستحق الميراث فى حالة ما إذا مات أحد الزوجين بعد طلاق الزوج وقبل اعتراف المحكمة به وموافقتها عليه.

هذا قليلٌ من المفاسد التى أدخلتها القوانين من المفاسد التى أدخلتها القوانين الوضعية فى أيامنا فى مجال الطلاق وبالله الحوال والقوة.

والله تعالى أعلم.


[١] المرجع كتاب شذرات الذهب فى ما جد فى قضايا النكاح والطلاق والنسب للشيخ الفقيه الأصولِىّ محمد تاويل رحمه الله تعالى.

< السابق

التالي >