مدار الحكم على من وصف الله بالجسمية أو الجهة

المطلب الخامس

 مدار الحكم على من وصف الله بالجسمية أو الجهة

فأكفر هؤلاء العلماء كما رأيت فيما تقدم من النقول من زعم أن البارئ جسم متركب مؤلف محدود، أما من لم يدرك معنى الجسم في لغة العرب، ظنا منه أن معناه مقصور في اللغة على الموجود مثلا، إن كان حاله في ذلك أنه كالأعجمي، ولم يصفه مع ذلك بمعانى الأجسام، فلم يكفروه أي مع كونه سماه جسما، وأكفروا من زعم أن الله سبحانه يرى كما ترى المرئيات بالمقابلة أو المحاذاة أو في مكان حالا فيه دون مكان ولم يزعموا أنه يرى لا كالمرئيات.

تنبيه إلى خيانة خطيرة:

قال جلال علي الجهاني في مقدمته التمهيدية على أجوبة إمام الحرمين على مسائل الصقلي: ثم اطلع عليها الأستاذ الكبير العلامة المحقق سيدي أبو الفداء سعيد فودة حفظه الله تعالى، وكتب عليها تعليقات نفيسة ومحررة، فجزاه الله خير الجزاء على ذلك الجهد، فكل ما تراه من تعليقات فهي من الأستاذ الكبير.

وكتب الشيخ أبو محمد عبد الحق بن محمد بن هارون الصقلي إلى الإمام أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري، على مسائل، فأجابه، والجواب مشتمل على السؤال، فلا معنى للتطويل بإيراد السؤال، وذلك بمكة – حرسها الله – عام خمسين وأربعمائة.

وقد فوجئنا بعنوان خبيث، وهو قولهم: إثبات سمة العارفين لمن قال: إن الله تعالى جسم لا كالأجسام.

بينما العنوان المطبوع في المعيار المعرب[(1005)] نصه هو التالي: اعتقاد البعض أن الله عظيم كالأجسام العظيمة.

وتابع ناقلا: «حرس الله الشيخ الجليل الأوحد، وأدام عزه، وأجزل من كل موهبة مؤيده، والحمد لله كفاء أفضاله، والصلاة على سيدنا محمد وآله.

هذا وقد وقفتُ على عزيز خطابه، وأحطت علمًا بمضمون كتابه، فألفيتُه محتويًا على مسائل: منها مسألة صادفتها منطوية على اعتقاد بعض العوام، أن الله سبحانه عظيم كالأجسام العظيمة، التي تعظم بكثرة الأجزاء، والمسألة عن إثبات سمات العارفين لمن هذا وصفه ، فأقول – والله المستعان وعليه التكلان -:

إن هذا مما اختلف فيه مذاهب الأئمة ، وأنا أذكر الأرجح والأوضح إن شاء الله تعالى.

اتفق المحققون أن من أسند نظره في حدوث العالم وأفضى به الدليل إلى العلم به، ثم نظر فتحقق لديه أن العالم الحادث الذي يجوز تقدير حدوثه ويجوز تقدير استمرار عدمه – إذا اختص بالحدوث افتقر إلى محدِث مخصِّص.

فإذا قاد الناظرَ نظرُه وسَلِمَ من الآفات والعاهات المانعة من استمرار النظر، فهو عالم بالمحدِث، وعارف بصانع العالم على الجملة، وإن لم ينظر فيما يجب لله من الصفات وفيما يجوز عليه وفيما يجب تقديسه وتنـزيهه عنه .

فأما من اعتقد في صفات الباري ما يتقدَّس الرب عنه، نحو أن يعتقد في صفات الإله ما اشتملت المسألة عليه، فقد اختلفت طرق الأئمة فيه:

فصارت طائفة منهم إلى أنّ من اعتقد أن الرب عظيم بالذات، على معنى كثرة الأجزاء وتركيبها في تأليفها، وأنه عز وجل مختص ببعض الجهات والمحاذات، وأن الأجسام المحدودة والأجرام المتقررة بأقطارها وآثارها تقابله في بعض جهاته، فهو غير عالم بالله رب العالمين.

فإنه علق معتقده بموجود ليس بإله، بل هو على صفات المخترعات وسمات المحدثات، فقد اعتقد موجودًا غير الإله، واعتقد الإلهية [فيه]، فينزل منزلة من يعتقد أن الأصنام آلهة!!

فهذا مذهب بعض الأئمة، وهو الذي لا يصح غيره ، وقد ارتضاه القاضي في «نقض النقض».

وذكر في باب الهداية في باب تكفير المتأولين طريقةً أخرى، فقال: الجهل بالصفات لا يضاد العلم بالصانع على الجملة، كما أن الغفلة عن الصفات والذهول عنها علمًا وجهلاً في ابتداء النظر لا ينافي العلم بالصانع، وكل ما لا ينافي الغفلة عند العلم بالمعلوم والجهل به، لا ينافي العلم به أيضًا، اعتبارًا بكل معلومين.

فعلى هذه الطريقة قال في مثبتي الجهة: هم عالمون بما فيه، كافرون بصفاته جاهلون .

ثم وجّهَ على نفسه سؤالاً وانفصل عنه فقال: لو قال قائل: يلزم على موجب القاعدة التي مهدتموها أن [لا] تطلقوا القول بأن النصارى كافرون بالله جاهلون به، بل تقولوا: هم كافرون بصفات الإله، كاستحالة الحلول عليه !!

فقال مجيبًا: قد أجمعت الأمة على تكفيرهم وتجهيلهم، فاستبان لنا بالإجماع أنهم غير عارفين بالله وأنهم مقلدون غير مستيقنين، إذ لا تجتمع الأمة على الباطل، فلم يعرف كفرهم بالله من حيث وصفوه بما يتقدس عنه، بل عرفنا ذلك بنصوص الكتاب.

والكلام في هذا يطول، فرأيتُ إيثار الاختصار، واختيار الاقتصار على ما يقع به الاكتفاء أحرى» اهـ.

تأمل أخي القارئ إلى الآتي:

قوله: «فهذا مذهب بعض الأئمة، وهو الذي لا يصح غيره » اهـ.

ثم قوله: «فعلى هذه الطريقة قال في مثبتي الجهة: هم عالمون بما فيه، كافرون بصفاته جاهلون » اهـ.

تلاحظ أنه في الطريقتين قد توصل الأئمة إلى تكفير المجسم، وإنما اختلفوا في وجه الدلالة على كفرهم لا غير.

ولكن الفساد وقع في العنوان الخطير المناقض لمضمون كلام إمام الحرمين، وهو ما أشرنا إليه من قبل أننا فوجئنا به، وهو قولهم: إثبات سمة العارفين لمن قال: إن الله تعالى جسم لا كالأجسام، بينما العنوان المطبوع في المعيار المعرب (11/231) هو التالي: اعتقاد البعض أن الله عظيم كالأجسام العظيمة، وهي خيانة خطيرة .

على أن لإمام الحرمين الجويني كتب أخرى تؤكد ما قلناه هنا ومنها كتابه الإرشاد، وفيه ما نصه: « ومذهب أهل الحق قاطبة أن الله سبحانه وتعالى يتعالى عن التحيز والتخصيص بالجهات.

وذهبت الكرامية وبعض الحشوية إلى أن البارئ، تعالى عن قولهم، متحيز مختص بجهة فوق، تعالى الله عن قولهم، ومن الدليل على فساد ما انتحلوه أن المختص بالجهات يجوز عليه المحاذاة مع الأجسام، وكل ما حاذى الأجسام لم يخل من أن يكون مساويا لأقدارها، أو لأقدار بعضها، أو يحاذيها منه بعضه، وكل أصل قاد إلى تقدير الإله أو تبعيضه فهو كفر صراح» [(1006)] اهـ.

وقال رحمه الله: «فذهبت طوائف إلى وصف الرب بما يتقدس في جلاله عنه، من التحيز في جهة حتى انتهى غلاة إلى التشكيل والتمثيل تعالى الله عن قول الزائغين. والذي دعاهم إلى ذلك طلبتهم ربهم من المحسوسات، وما يتشكل في الأوهام ويتقدر في مجاري الوساوس، وخواطر الهواجس ، وهذا حيد بالكلية عن صفات الإلهية، وأي فرق بين هؤلاء وبين من يعبد بعض الأجرام العلوية »[(1007)] اهـ.

وقال: «ثم ما يحاذي الأجرام يجوز أن يماسها، وما جاز عليه مماسة الأجسام ومباينتها كان حادثا، إذ سبيل الدليل على حدث الجواهر قبولها للماسة والمباينة على ما سبق. فإن طردوا دليل حدث الجواهر، لزم القضاء بحدث ما أثبتوا متحيزا؛ وإن نقضوا الدليل فيما ألزموه، انحسم الطريق إلى إثبات حدث الجواهر»[(1008)] اهـ.

وقال: «ثم الاستواء بمعنى الاستقرار بالذات ينبئ عن اضطراب واعوجاج سابق، والتزام ذلك كفر»[(1009)] اهـ.

وقال: «فإن قيل: هلا أجريتم الآية على ظاهرها من غير تعرض للتأويل، مصيرا إلى أنها من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله، قلنا: إن رام السائل إجراء الاستواء على ما ينبئ عنه في ظاهر اللسان، وهو الاستقرار، فهو التزام للتجسيم؛ وإن تشكك في ذلك كان في حكم المصمم على اعتقاد التجسم، وإن قطع باستحالة الاستقرار، فقد زال الظاهر، والذي دعا إليه من إجراء الآية على ظاهرها لم يستقم له، وإذا أزيل الظاهر قطعا فلا بد بعده في حمل الآية على محمل مستقيم في العقول مستقر في موجب الشرع. والأعراض عن التأويل حذرا من موقعة محذور في الاعتقاد يجر إلى اللبس والإيهام، واستنـزال العوام، وتطريق الشبهات إلى أصول الدين، وتعريض بعض كتاب الله تعالى لرجم الظنون والمعنى بقوله تعالى: {…وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} الآية، مراجعة منكري البعث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في استعجال الساعة، والسؤال عن منتهاها وموقعها ومرساها. والمراد بقوله تعالى: {…وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} ، أي وما يعلم مآله إلا الله، ويشهد لذلك قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} الآية، والتأويل فيها يحمل على الساعة في اتفاق الجماعة[(1010)].

قال إمام الحرمين الجويني: “فصل في أن الله ليس جسما خلافا للكرامية:

صرحت طوائف من الكرامية بتسمية الرب تعالى عن قولهم جسما، وسبيل مفاتحتهم بالكلام أن نقول: الجسم هو المؤلف في حقيقة اللغة، ولذلك يقال في شخص فضل شخصا بالعبالة[(1011)] وكثرة تآليف الأجزاء إنه أجسم منه وإنه جسيم، ولا وجه لحمل المبالغة إلا على تآلف الأجزاء. فإذا أنبأتنا المبالغة المأخوذة من الجسم على زيادة التأليف، فاسم الجسم يجب أن يدل على أصل التأليف؛ إذ الأعلم لما دل على مزية في العلم، دل العالم على أصله.

ثم نقول: إن سميتم البارئ تعالى جسما وأثبتم له حقائق الأجسام، فقد تعرضتم لأمرين: إما نقض دلالة حدث الجواهر، فإن مبناها على قبولها للتأليف والمماسة والمباينة؛ وإما إن تطردوها وتقضوا بقيام دلالة الحدث في وجود الصانع. وكلاهما خروج عن الدين، وانسلال عن ربقة المسلمين.

ومن زعم منهم أنه لا يثبت للبارئ تعالى أحكام الأجسام، وإنما المعنى بتسميته جسما الدلالة على وجوده؛ فإن قالوا ذلك قيل لهم: لم تحكمتم بتسمية ربكم باسم ينبئ عما يستحيل في صفته، من غير أن يرد به شرع أو يستقر فيه سمع، وما الفصل بينكم وبين من يسميه جسدا»[(1012)] اهـ.

وقال الإمام الجويني أيضًا: «فصل مشتمل على ذكر شبه المجسمة والانفصال عنها: ومما تمسكوا به أن قالوا: قد ثبت أن القديم تعالى مخترع على الحقيقة، ثم تدبرنا أحوال الفاعلين شاهدا، فلم نجد فاعلا ليس بجسم، بل استحال ذلك في الشاهد، فيجب القضاء بذلك على كل فاعل. قالوا: وهذا كما أن الواحد منا لما استحال أن يكون عالما من غير علم، لزم طرد ذلك شاهدا وغائبا. وربما يستشهدون في شبههم هذه بالوجود فيقولون: لما علمنا وجوب الوجود للفاعل منا، قضينا بذلك على كل فاعل. فإذا وجب ذلك في وصف الوجود، وجب في الذي تنازعنا فيه.

وهذا الذي ذكروه غير سديد من أوجه: أحدها أن نقول: قد بنيتم كلامكم على كون الفاعل جسما في الشاهد، وهذا مما تمنعون منه. فإن الفاعل عندنا: كل جوهر فرد، فلا تتصف جملة بأنها تفعل فعلا واحدا. وإذا حرك المحرك يده على الاختيار واقتدار، فلا نقول صدرت الحركات من جملة اليد، بل صدر من كل جزء من أجزاء اليد حركة اختص ذلك الجوهر باكتسابها. فاستبان بذلك أن ما ادعوه في الشاهد فهم منه ممنوعون، وعن الاستدلال به مدفوعون. ويتضح ما قلناه بأن نعلمهم أن الرب تعالى لو خلق جوهرا فردا، وخلق له الحياة والعلم والقدرة، لكان ذلك ممكنا جائزا.

واعلموا أنه ليس من فرق المجسمة من ينكر ذلك، وإنما أنكره المعتزلة دون غيرهم من أصحاب المذاهب. فوضح بذلك بطلان ما عولوا عليه من أمر الشاهد. ثم لو سلم لهم جدلا ما ادعوه شاهدا، وقلنا لهم: كل فاعل من المحدثين جسم فليس في ذلك مستروح. فإن ذلك وإن سلم لهم تقديرا، فلسنا نقول: إنما كان الجسم حيث كان فاعلا، فلم نوجب القضاء بذلك على كل فاعل.

ثم أقصى ما تمسكوا به رد الغائب إلى الشاهد من غير تحقيق جمع بينهما. والتمسك بهذه الطريقة يجر إلى الدهر والإلحاد ونفي الإله. إذ لو قال قائل: لم نعقل فاعلا محسوسا إلا حادثا، فيجب طرد ذلك . أو قال قائل: لم نشاهد بشرا إلا من نطفة ولا نطفة إلا من بشر، فيلزم القضاء بذلك إلى غير أول، فلا يكون المجسم فيما ذكره أسعد حالا ممن يسلك هذه الطرق التي أشرنا إليها. وسنوضح إن شاء الله إبطال الاستشهاد بالشاهد على الغائب من غير علة ودليل وشرط وحقيقة إن شاء الله.

وأما ما أسندوا إليه كلامهم من إثبات العلم شاهدا وغائبا فساقط. فإنا لم نقتصر في ذلك على مجرد الشاهد، بل أقمنا الدلالة على كون العلم علة في كون العالم عالما. ثم من شأن العلة أن تطرد ولو لم تطرد لبطل كونها علة في كل صورة.

وأما الذي استروحوا إليه من الوجود فباطل. فإنا لم نتوصل إلى العلم بوجود البارئ من حيث وجب للفاعل منه الوجود، بل إنما أثبتنا ذلك بطرق نوضحها إن شاء الله في الصفات، منها: أن العدم نفي محض، والجمع بين تقديره وبين إثبات الصانع تناقض. فهذا سبيل الاستدلال، لا ما استروحوا إليه من وجود الشاهد.

ومما تمسك به المجسمة أن قالوا: المعلومات تتقسم إلى ما يعلم اضطرارا، وإلى ما يعلم استدلالا. وما يعلم استدلالا يستند العلم به إلى المعلوم اضطرارا. فإن كل دليل عقلي ينتهي في مساقة إلى الضروريات بدرجة أو درجات.

قالوا: فإذا ثبت ذلك بنينا عليه مقصودنا وقلنا: العلم بالإله وكونه فاعلا ليس من خبر الضروريات، بل يستدل عليه بكون لمحدث فاعلا. ثم من شـأن المدلول أن يشابه الدليل: إما من جميع الوجوه، وإما من بعض الوجوه. ومن المستحيل المصير إلى أن القديم سبحانه وتعالى لا يشابه المحدث الفاعل بوجه من الوجوه. فإنا لو قلنا ذلك، لزمنا منه نفي الوجود عن الإله، وذلك تعطيل. فإذا لم يكن بد من تثبيت المشابهة من بعض الوجوه، فينبغي أن يقال: ما يستحيل تقدير وقوع الفعل دونه يجب طرده في كل فاعل اعتبارا بالوجود، قالوا: والتركيب مما يستحيل تقدير وقوع الفعل دونه، فوجب طرده.

وهذا الذي ذكروه اقتصار على محض الدعوى. فمما اشتمل عليه كلامهم قولهم: إنا نستدل على كون القديم فاعلا بكوننا فاعلين، وليس الأمر على ما قدروه، فإن كون القديم فاعلا مخترعا يمكن الاستدلال عليه مع الإضراب عن الاستشهاد بالفاعلين المحدثين.

والسبيل في ذلك أن يقال: إذا ثبت جواز الفعل واستحالة وقوعه بنفسه، ثبت افتقاره إلى فاعل مخصص. فوضح بطلان قاعدة المشبهة.

ومما يشتمل عليه كلامهم مصيرهم إلى وجوب مماثلة الدليل المدلول، ولو من بعض الوجوه. وهذا جهل منهم بمواقع الأدلة . ولا غرو، فهم متطفلون بالتمسك بطرائق العقل، وقد يستدل بالعدم على الوجود، وبالوجود على العدم، فبطل قول من ادعى مماثلة المدلول الدليل.

ومما انطوى عليه كلامهم، وهو من أعظم الزلل في الدين، إفصاحهم بمشابهة الرب سبحانه وتعالى الفاعل المحدث من بعض الوجوه. وقد أبطلنا ذلك في باب التماثل. واسلك معهم – إن دعت الحاجة إلى تقرير ذلك – طريق القول بنفي الأحوال ليتبين في أوجا ما تقدر استحالة التماثل من وجه مع الاختلاف من وجه. ثم نقول: ألستم قلتم لا يجب مشابهة الدليل المدلول من كل وجه، فلم زعمتم أن التركيب من الوجوه التي يجب الاشتراك فيها؟ فإن رجعوا فقالوا: لا نعقل فاعلا ليس بجسم، فهو عود منهم إلى الشبهة الأولى. وقد قدمنا في ذلك قولا مقنعا.

ومما استدل به الكرامية أن قالوا: الموجود ينقسم إلى ما يقوم بنفسه، وإلى ما لا يقوم بنفسه، وليس بينهما منزلة ليست في أحدهما، كما أن الموجود لا يخرج عن أن يكون صفة أو موصوفا. قالوا: والقائم بالنفس هو المتحيز. وهذا الذي ذكروه لا محصول له.

أما قولهم: ينقسم الموجود إلى ما يقوم بنفسه وإلى ما لا يقوم بنفسه، فصحيح لا مناكرة فيه. وأما قولهم: القائم بالنفس هو المتحيز، ففي هذا أعظم التنازع. فلم قلتم إن القائم بالنفس هو المتحيز، فلا يرجعون عند هذه الطلبة إلى محصول إلا إلى التمسك بمجرد الشاهد، وقد أبطلناه.

ثم نقول: أنى يستقيم ذلك منكم معاشر الكرامية، وقد خرجتم عن المعقول، فأثبتم كائنا ليس بصفة ولا موصوف، وذلك أن من حقيقة أصلهم: أن ما يقوم بذات الله تعالى من الحوادث، تعالى الله عن قولهم، ليست بصفات. إذ لا يتصف القديم بها عندهم، بل يقوم به قول حادث وهو غير قائل به، وقد خرج عن أن يكون صفة له. والصفة ليست بموصوفة على أصولهم. فقد أثبتوا قسما بين الصفة والموصوف.

ومما نعارضهم به أن نقول: قد أثبتم بين القديم والمحدث رتبة خارجة من القسمين، فكيف تستبعدون قائما بالنفس خارجا عن صفة التحيز ولم تستبعدوا شيئا خارجا عن وصف المحدث والقديم؟

ثم نقول: إن كان مرجعكم إلى الشاهد، فكل ما لا يقوم بنفسه شاهدا عرض، كما أن الذي يقوم بنفسه متحيز. فإن لزم طرد التحيز في القائم بالنفس، لزم طرد وصف العرض فيما لا يقوم بنفسه، حتى يجب من ذلك الحكم بكون علم الله عرضا من حيث كان غير قائم بنفسه.

وقد ناقشهم بعض أئمتنا في إطلاق القيام بالنفس وقال: الجوهر ليس بقائم بنفسه، وإنما القائم بالنفس هو الله تعالى. وقد قال شيخنا أبو الحسن في بعض مناظراته مع البغداديين: لا حقيقة للقائم بالنفس شاهدا وغائبا. قال: وذلك رد على أسقف من أساقفة النصارى. واستدل على ذلك بأن هذه اللفظة لم يرد بها شرع، وهي غير سديدة في موجب الإطلاق، إلا أن يتجوز بها توسعا، وهي موهمة قياما. ولا معنى لمناقشتهم في العبارات ما دمنا نجد سبيلا إلى التعرض للمعاني.

ومما تمسك به جملة الكرامية أن قالوا: لو أخبر مخبر عن رؤية فاعل ليس بجسم، كان مستنكرا على الوجه الذي نستنكر قول القائل: رأيت السواد والبياض مجتمعين في المحل الواحد.

وهذا الذي قالوه خلف من القول لا محصول له، ويتبين الغرض فيه بتقسيم، وذلك أنا نقول: إن ادعيتم جريان المتنازع فيه واجتماع الضدين مجرى واحدا في الاستحالة، فإنكم منازعون فيه. وإن ادعيتم الجمع بينهما في محض الاستنكار فهو مسلم ولا مستروح. فإن خوارق العادات يستنكر وقوعها، وإن كانت من الجائزات المقدورات. ولو أخبر مخبر عن غيض البحار، وتقلع الجبال إلى غير ذلك من خوارق العادات، لا يستنكر قوله. ثم لم يتضمن ذلك إخراج ذلك من الجائزات.

ومما يوضح ذلك أن الكرامية والمجسمة، وإن وصفوا القديم بكونه جسما، تعالى الله عن قولهم، لم يصفوه بكونه صورة على ما ذهب إليه الغلاة من المشبهة.

ثم لو قال قائل: رأيت فعالا ليس بصورة ولا جوارح، كان ذلك مستنكرا في العادة، وإن كان القديم عندهم غير متصور، ولا متصف بالجوارح. فبطل ما قالوه من كل وجه.

ومما تمسك به المجسمة أن قالوا: إذا قلتم أن القديم شىء واحد لا يقبل الانقسام والتبعض، فيلزم منه أن يكون أصغر الأشياء وأقلها، فإن الجوهر الفرد لما لم يكن متركبا كان أقل قليل، وهذا ضرب من السخف والحبال. فإن الصغير يعبر به عن الأقدار، وإنما يتصف بالقدر ما له حظ من المساحة، وإنما تمسح ما له جرم وتحيز. وما يستحيل تحيزه، لا يتصف بالأقدار ولا يثبت له حظ من المساحة.

والذي يوضح ما قلناه أن المجسمة إن وافقونا في إثبات أن علم الله تعالى متعلق بالمعلومات التي لا تتناهى، لم يجب أن يقال: العلم من حيث لم ينقسم يتصف بالصغر والقلة، فبطل ما قالوه كل من وجه. فهذه جمل كافية في الرد على من أثبت لله حقيقة الأجسام»[(1013)] اهـ.

ليس ذلك فحسب، بل إنك تقرأ في نفس المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب ما نصه:

قال أحمد الونشريسي: «[لا ينفع النطق بكلمة التوحيد مع جهل معناها]..

وسئل سيدي أحمد بن عيسى فقيه بجاية عمن نشأ بين ظهراني المسلمين وهو يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ويصلي ويصوم، إلا أنه لا يعرف ما انطوت عليه الكلمة العليا فيما يعتقده لعدم معرفته بها، إذ اعتقاد شيء فرع المعرفة به، كالذي يقول لا أدري ما الله ورسوله، ولا أدري من هو الأخير منهما، أو لا أفرق بينهما أو غير ذلك من كلام لا يمكن معه معرفة الوحدانية ولا الرسالة، وإنما يقول سمعت الناس يقولون هذه الكلمة فقلتها ولا أدري المعنى الذي انطوت عليه ولا أتصور صحته ولا فساده ولا أدري ما أعتقد في ذلك بوجه ولا أعبر عنه بلساني ولا غيره، لأن التعبير عن الشيء فرع المعرفة به وأنا لا أعرفه. فهل يكتفي في إيمانه بمجرد النطق بالشهادتين والصلاة والصيام وغير ذلك من أركان الإسلام ويعذر بجهل معنى الكلمة؟ أو لا بد من معرفة المعنى الذي انطوت عليه الكلمة العليا من الوحدانية والرسالة وإلا لم يكن مؤمنا. فأجاب الحمد لله. من نشأ بين أظهر المسلمين وهو ينطق بكلمة التوحيد مع شهادة الرسول عليه السلام ويصوم ويصلي إلا أنه لا يعرف المعنى الذي انطوت عليه الكلمة الكريمة كما ذكرتم، لا يضرب له في التوحيد بسهم ولا يفوز منه بنصيب ولا ينسب إلى إيمان ولا إسلام، بل هو من جملة الهالكين وزمرة الكافرين، وحكمه حكم المجوس في جميع أحكامه إلا في القتل، فإنه لا يقتل إلا إذا امتنع من التعليم. وكذلك الطلاق إذا ظن بالمطلق أنه قصد بدعواه الجهل بمعنى الكلمة الكريمة إباحة البائن، كالرجل يبين زوجته ثم يدعي الجهل بمعنى الكلمة الكريمة أو غير ذلك مما يقتضي الكفر فيظن به أنه قصد بذلك إباحة المحظور فإنه لا يصدق في دعواه ذلك ويلزمه الطلاق، إلا أن يعرف ذلك منه قبل الطلاق وهي حينئذ في عصمته على ما يعتقد ببينة عادلة أو ما يقوم مقامها. وكذلك المرأة إذا ظن بها أنها قصدت بذلك إباحة الممتنع فإنها لا تصدق في دعواها ولا تحل لزوجها إلا أن يعلم ذلك منها قبل البينونة أو ما يقوم مقامها كالرجل فيما ذكر سواء. وكذلك إذا ظن بها أنها قصدت بذلك فسخ النكاح الحكم واحد والله أعلم.

وذهبت غلاة المرجئة، وهي طائفة من المبتدعة، إلى أن النطق المجرد عن المعرفة بما انطوت عليه الكلمة الكريمة مع صلاة أو صيام أو مع عدم ذلك يكفي في الإيمان، ويكون للمتصف به دخول الجنان. عصمنا الله من الآراء المغوية والفتن المحيرة، وأعاذنا من حيرة الجهل وتعاطي الباطل، ورزقنا التمسك بالسنة ولزوم الطريقة المستقيمة إنه كريم منان.

وكتب بالمسألة أيضا إلى سيدي عبد الرحمـن الواغليسي.

فأجاب الحمد لله تعالى. أسعدكم الله وسددكم وإيانا لمرضاته. بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقد وصل إلي ما كتبتموه مما فهمتم من فتوى الشيخين أبي العباس بن إدريس وأبي العباس أحمد بن عيسى فيمن يقول لا إله إلا الله ولم يدر ما انطوت عليه أن فتوى سيدي أحمد بن إدريس نصها من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن حقا، فمقتضى هذا الفهم من جواب الشيخ أن من نطق بالشهادة يجزئه نطقه وإن جهل معناه وما انطوت عليه الكلمة من مدلولها، فاعلم أن هذا الفهم عن الشيخ رحمه الله باطل لا يصح، فإنه لا يلزم منه أن من قال ذلك وهو معتقد في الإله تعالى شبه المخلوقات، وصورة من صور الموجودات، أن يكون مؤمنا حقا. وقد وجدنا من الجهلة من هو كذلك وكتب إلينا بذلك وأشباهه. ومن اعتقد ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين. وقد نص أئمتنا على ذلك وعلى غيره مما هو كفر بإجماع ، فلا يصح ذلك عن الشيخ أصلا ولا يصح أن يختلف في هذا أو شبهه. وفي هذا أجاب سيدي أحمد بن عيسى. وقد تحدثت أنا مع سيدي أحمد بن إدريس وذكرت له ما يقول صاحبنا فوافق عليه وقال هذا حق لا يقال غيره»[(1014)] اهـ.

وهو إجماع كما مر بك في هذا الكتاب، والإجماع قطعي، وهو أسلم من تخبط وتوهم المشبه المجسم الجهوي.

وقال الحافظ الفقيه اللغوي مرتضى الزبيدي في شرحه على الإحياء، ما نصه: «من جعل الله تعالى مقدرا بمقدار كفر» اهـ.

وقال الشيخ محمد أمين الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسيره عند قوله تعالى {…ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} : «ومن اعتقد أن وصف الله تعالى يشابه صفات الخلق فهو مشبه ملحد ضال»[(1015)] اهـ.

ويقول الإمام أحمد الرفاعي رضي الله عنه: «صونوا عقائدكم من التمسك بظاهر ما تشابه من الكتاب والسنة، فإن ذلك من أصول الكفر» [(1016)] اهـ.

ثم يقال لهم :

أ) وصف الله بالجسم أو بصفات الجسم تكذيب أم تصديق للآية {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} ؟. إنه – قطعا – تكذيب.

ب) وتكذيب النص القرءاني أليس كفرا بالإجماع؟.

ج) وصفات الجسمية من دلائل الحدوث ، فوصف الله بها، أو ببعضها لا يكون إلا وصفا لله بما هو دالٌّ على الحدوث، فلا يكون إذا وصف الله بها إلا تنقيصا في حقه تعالى، وذلك أي نسبة النقص والحدوث إلى الله تعالى كفر لا شَكَّ فيه.

ومثله ما تجده في بعض كتب الفخر الرازي ، ويكفي في كشف تزييف ذلك الوجه الفاسد المنسوب إليه في خاتمة كتابه أساس التقديس أن أنقل لك ما قاله الرازي نفسه في تفسيره، ونصه: «أما الإيمان بوجوده فهو أن يعلم أن وراء المتحيزات موجودًا خالقًا لها، وعلى هذا التقدير فالمجسم لا يكون مقرًا بوجود الإله تعالى، لأنه لا يثبت ما وراء المتحيزات شيئًا آخر، فيكون اختلافه معنا في إثبات ذات الله تعالى، أما الفلاسفة والمعتزلة فإنهم مقرون بإثبات موجود سوى المتحيزات موجد لها، فيكون الخلاف معهم لا في الذات بل في الصفات»[(1017)] اهـ.

وقال أيضا في تفسيره: «وأقول أما قوله المجسمة قد افتروا على الله الكذب فهو حق، وأما قوله: إن هذا افتراء على الله في صفاته فليس بصحيح، لأن كون الذات جسمًا ومتحيزًا ليس بصفة، بل هو نفس الذات المخصوصة، فمن زعم أن إله العالم ليس بجسم، كان معناه أنه يقول جميع الأجسام والمتحيزات محدثة، ولها بأسرها خالق هو موجود ليس بمتحيز، والمجسم ينفي هذه الذات، فكان الخلاف بين الموحد والمجسم ليس في الصفة بل في نفس الذات، لأن الموحد يثبت هذه الذات والمجسم ينفيها»[(1018)] اهـ.

وقال أيضًا: «والجواب: أن الدليل دل على أن من قال: إن الإله جسم، فهو منكر للإله تعالى، وذلك لأن إله العالم موجود ليس بجسم ولا حال في الجسم، فإذا أنكر المجسم هذا الموجود فقد أنكر ذات الإله تعالى، فالخلاف بين المجسم والموحد ليس في الصفة بل في الذات، فصح في المجسم أنه لا يؤمن بالله .

أما المسائل التي حكيتموها فهي اختلافات في الصفة فظهر الفرق، وأما إلزام مذهب الحلولية والحروفية فنحن نكفرهم قطعًا ، فإنه تعالى كفر النصارى بسبب أنهم اعتقدوا حلول كلمة اللَّهِ في عيسى، وهؤلاء اعتقدوا حلول كلمة اللَّهِ في ألسنة جميع من قرأ القرآن، وفي جميع الأجسام التي كتب فيها القرآن، فإذا كان القول بالحلول في حق الذات الواحدة يوجب التكفير، فلأن يكون القول بالحلول في حق جميع الأشخاص والأجسام موجبًا للقول بالتكفير كان أولى. والصفة الثانية من صفاتهم أنهم لا يؤمنون باليوم الآخر»[(1019)] اهـ.

وقال في أصول الدين: «بل الأقرب أن المجسمة كفار، لأنهم اعتقدوا أن كل ما لا يكون متحيزا ولا في جهة فليس بموجود، ونحن نعتقد أن كل متحيز فهو محدث، وخالقه موجود ليس بمتحيز ولا في جهة، فالمجسمة نفوا ذات الشىء الذي هو الإله فيلزمهم الكفر» [(1020)] اهـ. وقد تقدم.

أما النص المنقول عن الفخر الرازي كما في بعض النسخ المطبوعة لأساس التقديس، فنصه كما يلي: الفصل الثالث في أن من يثبت كونه تعالى جسمًا متحيزًا مختصًا بجهة معينة. هل يحكم بكفره أم لا؟ للعلماء فيه قولان:

أحدهما : أنه كافر – وهو الأظهر – وهذا لأن مذهبنا : أن كل شىء يكون مختصًا بجهة وحيز، فإنه مخلوق محدث، وله إله أحدثه وخلقه.

وأما القائلون بالجسمية والجهة الذين أنكروا وجود موجود آخر سوى هذه الأشياء التي يمكن الإشارة إليها، فهم منكرون لذات الموجود، الذي يعتقد أنه هو الإله. وإذا كانوا منكرين لذاته، كانوا كفارًا لا محالة. وهذا بخلاف المعتزلي فإنه يثبت موجودًا، وراء هذه الأشياء التي يشار إليها بالحس، إلا أنه خالفنا في صفات ذلك الموجود. والمجسمة يخالفوننا في إثبات ذات المعبود ووجوده، فكان هذا الخلاف أعظم. فيلزمهم الكفر، لكونهم منكرين لذات المعبود الحق ولوجوده. والمعتزلة في صفته لا في ذاته.

والقول الثاني : أنا لا نكفرهم. لأن معرفة التنزيه، لو كانت شرطًا لصحة الإيمان لوجب على الرسول صلى الله عليه وسلم، أن لا يحكم بإيمان أحد إلا بعد أن يتفحص أن ذلك الإنسان هل عرف الله تعالى بصفات التنزيه، أو لا ؟ وحيث حكم بإيمان الخلق من غير هذا التفحص، علمنا: أن ذلك ليس شرطًا للإيمان» اهـ.

وهذا الأخير نقل عن علماء لم يعينهم، معناه أن هذا القول ليس منسوبا لطبقة معينة يعول عليها في المذهب كالقول الأول، فيعود هذا القول للمجهول، أو لمن ليس لهم الإذن بالفتيا، فيتبين بأنه شاذ، ولا يخرق الإجماع بمثل ذلك.

وشاهدنا على أن القول الأول هو المعول عليه أن الفخر الرازي قال: «الأظهر» … ثم قال: «لأن مذهبنا» (أي معشر الشافعية)، وهذا معناه أن هذا القول هو النقل المعتمد عمن لهم دراية بأصول المذهب وحق الفتيا، ومن يعول عليهم في الأصول وفهم كلام الإمام أي الإمام الشافعي وأمثاله من الأئمة المجتهدين، أي ما يعول عليه والمنصوص عليه أي بالاعتماد على أصول أئمة المذهب أي الذين يثبت القول بهم – المذهب – المنصوص عليها من قبل الطبقة الثانية – وهو الأظهر – وهذا لأن مذهبنا – أن كل شىء يكون مختصا بجهة وحيز، فإنه مخلوق محدث، وله إله أحدثه وخلقه.

وهذا يكشف أن الرازي يعول على كلام أصحاب الوجوه، وهذا التعويل يبين درجته بأنه من دونهم، وإلا لتكلم الرازي مباشرة في كلام الإمام أي الشافعي، أو ما نقل عنه وتولاه بالتحميص والتدقيق ليخرج بحكم ما.

ونعلم أن الفخر الرازي على مذهب الشافعي، وشروط الاجتهاد كما روى الخطيب البغدادي: «قال الشافعي: لا يحل لأحدٍ أن يفتي في دين الله إلاّ رجلاً عارفًا بكتاب الله، بناسخه ومنسوخه، وبمحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنـزيله، ومكيّه ومدنيه، وما أريد به وفيما أنزل، ثم يكون بعد ذاك بصيرًا بحديث رسول الله بالناسخ والمنسوخ، ويعرف من الحديث ما عرف من القرآن، ويكون بصيرًا باللغة، بصيرًا بالشعر، وبما يحتاج إليه للعلم والقرآن، ويستعمل مع هذا الإنصاف وقلة الكلام، ويكون بعد هذا مشرفًا على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحة بعد هذا، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فله أن يتكلم في العلم ولا يفتي»[(1021)]. انتهى بحروفه.

وفي أمر العقيدة يلاحظ أنه لا يجوز التعويل على مجرد نقل، خاصة إذا كان في مثل هذا الأمر العقدي، وإنما الأمر على ما فصلناه وبيناه في هذه الرسالة.

ويكفي في الرد على الخلاف المزعوم بأن تعلم أن «القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم، وهم حقيقون بذلك»[(1022)] اهـ.

وقد تقدم النقل عن جمهرة من الأعلام الذين لهذا الإجماع، فلا يلتفت بعد هذا إلى ما لا يعول عليه من النقول إما لعدم ثبوته عمن نسب إليه أو لنـزول القائل عن درجة الاحتجاج به ، لكونه ليس من أهل الاجتهاد ولا من أصحاب الوجوه في المذهب، أو خالف قوله قول إمامه، مع نزول القائل عن رتبة الاجتهاد، مهما تردد ذكرها في الكتب أو تكرر الاعتماد عليها من قبل بعض من شأنه أن يجمع الأقوال من غير تحقيق وضبط، ومن ذلك ما نبه إليه الزركشي: «ونقل صاحب الخصال من الحنابلة عن أحمد أنه قال: من قال: جسم لا كالأجسام كفر، ونقل عن الأشعرية أنه يفسق، وهذا النقل عن الأشعرية ليس بصحيح» [(1023)] اهـ.

وهو عين ما نبه إليه البرزلي المالكي بقوله: «وأنكر عليه شيخنا الإمام نقله عن بعض الأشعرية إنكارا شديدا»، وقال: «لم يقله أحد منهم فيما علمته واستقريته من كتبهم»[(1024)] اهـ، وذلك لأن الصواب الذي لا محيد عنه أنه يكفر لمعارضته صريح القرءان والسنة.

وهو منسجم تماما مع ما قاله تقي الدين الحصني: «إلا أن النووي جزم في صفة الصلاة من شرح المهذب بتكفير المجسمة[(1025)]، قلت (تقي الدين الحصني): وهو الصواب الذي لا محيد عنه، إذ فيه مخالفة صريح القرآن ، قاتل الله المجسمة والمعطلة، ما أجرأهم على مخالفة من {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *} [(1026)]، وفي هذه الآية رد على الفرقتين»[(1027)] اهـ.

وقد قال العلامة فخر الدين أحمد بن حسن الجاربردي التبريزي (المتوفى سنة 746 هجرية): «اعلم أنه قال الأصوليون شرطه الإسلام. وإنما عدل المصنف إلى هذه العبارة لأن المجسمة كفار عند الأشاعرة»[(1028)] اهـ.

فأنت تلاحظ هنا الإطلاق، ولو كان الكلام موجبا للتخصيص لخصص، وانظر إلى من نسب الحكم بتكفير المجسم، نسبه إلى الأصوليين، ويكفيك ذلك دلالة.

قال المحدث العلاّمة السيد محمد بن محمد الحسيني الزبيدي الشهير بمرتضى رحمه الله ما نصه: «إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية . قال الخيالي في حاشيته على شرح العقائد: الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة، هذا هو المشهور في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار وفي ديار ما وراء النهر يطلق ذلك على الماتريدية أصحاب الإمام أبي منصور وبين الطائفتين اختلاف في بعض المسائل كمسئلة التكوين وغيرها – إلى أن قال: وذكر العز بن عبد السلام أن عقيدة الأشعري أجمع عليها الشافعية والمالكية والحنفية وفضلاء الحنابلة ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ المالكية في زمانه أبو عمرو بن الحاجب، وشيخ الحنفية جمال الدّين الحصيري، وأقرّه على ذلك التقي السبكي فيما نقله عنه ولده التاج. وفي كلام عبد الله الميوري المتقدّم ما نصه: «أهل السنة من المالكية والشافعية وأكثر الحنفية بلسان أبي الحسن الأشعري يناضلون وبحجته يحتجّون» .

إلى أن قال : «ثم قال التاج السبكي: وأنا أعلم أن المالكية كلهم أشاعرة لا أستثني أحدًا، والشافعية أغلبهم أشاعرة لا أستثني إلا من لحق منهم بتجسيم أو اعتزال»[(1029)] اهـ.

فإذا كان المجسم كافرا عند الأشاعرة فيعني أنه كافر على مذهب أهل السنة والجماعة كما نص الطحاوي.

الطحاوي قال: «ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر» ، فلو أن شخصا أثبت الجسمية للحق لقلنا إنه كافر، لأن الحدود والتحيز من معاني البشر، وليس ما اجتمع من لحم وعظم فقط.

وقد تقدم تعريف الجسم، وليس هو فقط ما اجتمع من لحم وعظم ودم، بل ما له طول وعرض وارتفاع وسمك كل هذا يدخل تحت تعريف الجسم المتفق عليه، فلا نرى من المحققين أو من السادة الأشاعرة من قال إن الجسم ما اجتمع من لحم وعظم فقط، ولو كان تعريف الجسم على هذا لسخر منا التيميون، وهذا التقسيم هو أساسا لابن تيمية حيث قال: «الجسم لفظ محدث لكن إن نفاه العلماء فيريدون ما اجتمع من لحم وعظم»، وهو يشير إلى أن معبوده له أبعاد ليست مركبة من لحم وعظم[(1030)]، مما يجعله خارقا للإجماع في تعريف الجسم، وخارقا للإجماع في تنـزيه الله عن المشابهة للحوادث.

وأما ما ينقل عن العز بن عبد السلام فقد رده البلقيني أيضًا: فقد أورده الرملي قوله: وما في المجموع من تكفير من يصرح بالتجسيم أشار إلى تضعيفه، وكتب أيضا، كأنه احترز بالتصريح عمن يثبت الجهة فإنه لا يكفر، كما قاله الغزالي في كتاب التفرقة بين الإسلام والزندقة، وقال ابن عبد السلام في القواعد: إنه الأصح بناء على أن لازم المذهب ليس بمذهب. (الرملي)، وكتب أيضا.

قال البلقيني: الصحيح أو الصواب خلاف ما قال»[(1031)].

وقد نقل الشيخ العزّ بن عبد السلام في كتابه حلّ الرموز مقالة الإمام المجتهد أبي حنيفة رضي الله عنه في كتابه الفقه الأبسط ما نصه: «من قال لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض فقد كفر، وكذا من قال إنه على العرش، ولا أدري العرش أفي السماء أو في الأرض»[(1032)] اهـ.

ووافقه على ذلك ثم قال: «لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانًا، ومن توهم أن للحق مكانًا فهو مُشَبِّه» اهـ. وذلك دليل على التغاير بين القولين المنقولين عنه، وأنت تلاحظ أن عبارة العز بن عبد السلام يمعن في هذا في التحذير من هذا الاعتقاد حيث يقول: «ومن توهم أن للحق مكانًا فهو مُشَبِّه» اهـ، وهذا منه تعميم لكل من تصور أن الله في مكان أو جهة، وأي فرق بين المكان والجهة.

على أن المحدث الكوثري بيّن وجه ما قاله العز في هذه المسألة التي نقلت عنه حيث قال: «نعم يعد ابن عبد السلام في قواعده الكبرى العامي معذورا في الكلمة الموهمة ، لكن ناقشه المقبلي في ذلك في العلم الشامخ، وعلى كل حال لا يرضى هؤلاء -أي مشبهة عصره- أن يعدوا من العامة ليعذروا في كلماتهم الشاطحة، وقد ملأت مؤلفاتهم البقاع، فلا محيص عن عدهم واعين لما نطقوا به ، فتعين إلزامهم بما يترتب على تلك التقولات في نظر أهل البرهان الصحيح»[(1033)] اهـ.

فأنت تلاحظ أن الشيخ الكوثري يرد ذلك الى أمرين :

الأول: حصر الأمر الذي أفتى به العز بالكلمة الموهمة.

الثاني: فهم المعنى من تلك الكلمات الموهمة.

وهو كما ترى يدور في الفلك الذي رسمناه وبيناه، فكن على انتباه لهذا. ولعله يشبه ما قاله الزرقاني، ونصه: « ثم إن هؤلاء المتحمسين في السلف متناقضون لأنهم يثبتون تلك المتشابهات على حقائقها، ولا ريب أن حقائقها تستلزم الحدوث وأعراض الحدوث كالجسمية والتجزؤ والحركة والانتقال، لكنهم بعد أن يثبتوا تلك المتشابهات على حقائقها ينفون هذه اللوازم، مع أن القول بثبوت الملزومات ونفي لوازمها تناقض لا يرضاه لنفسه عاقل فضلا عن طالب أو عالم ، فقولهم في مسألة الاستواء الآنفة: إن الاستواء باق على حقيقته، يفيد أنه الجلوس المعروف المستلزم للجسمية والتحيز، وقولهم بعد ذلك: ليس هذا الاستواء على ما نعرف يفيد أنه ليس الجلوس المعروف المستلزم للجسمية والتحيز، فكأنهم يقولون: إنه مستو غير مستو، ومستقر فوق العرش غير مستقر أو متحيز غير متحيز وجسم غير جسم أو أن الاستواء على العرش ليس هو الاستواء على العرش، والاستقرار فوقه ليس هو الاستقرار فوقه إلى غير ذلك من الإسفاف والتهافت، فإن أرادوا بقولهم: الاستواء على حقيقته أنه على حقيقته التي يعلمها الله ولا نعلمها نحن فقد اتفقنا، لكن بقي أن تعبيرهم هذا موهم لا يجوز أن يصدر من مؤمن ، خصوصا في مقام التعليم والإرشاد، وفي موقف النقاش والحجاج، لأن القول بأن اللفظ حقيقة أو مجاز لا ينظر فيه إلى علم الله وما هو عنده، ولكن ينظر فيه إلى المعنى الذي وضع له اللفظ في عرف اللغة، والاستواء في اللغة العربية يدل على ما هو مستحيل على الله في ظاهره، فلا بد إذن من صرفه عن هذا الظاهر، واللفظ إذا صرف عما وضع له واستعمل في غير ما وضع له خرج عن الحقيقة إلى المجاز لا محالة ما دامت هناك قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي»[(1034)] اهـ. وما يروى وينقل عن أبي حامد الغزالي في هذا الموضع من عدم تكفير القائل بالجهة خطير جدا، علما أنه قد اتفقت كلمة أهل العلم قاطبة بلا خلاف بينهم ولا نكير على أن معتقد الحجم والجسمية أو الجهة والحيز كافر، وأن تكفيرهم واجب، وعللوا سبب ذلك بأنهم يقولون بأن لله حدا ونهاية من جهة السفل[(1035)]، أي لأنه يكون وصف الله بالحجم، وكذا من زعم أن لمعبوده صورة أو أن له حدا ونهاية أي حجما ومساحة أو أنه يجوز عليه الحركة والسكون، بل عبروا بأنه لا إشكال لذي لب في تكفير القائل بذلك[(1036)].

وها هو أبو حامد الغزالي يقول: «التقديس، ومعناه أنه إذا سمع اليد والأصبع، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خمر طينة آدم بيده»[(1037)]، و«إن قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمـن»[(1038)]. فينبغي أن يعلم أن اليد تطلق لمعنيين، أحدهما هو الموضع الأصلي، وهو عضو مركب من لحم وعصب، واللحم والعظم والعصب جسم مخصوص وصفات مخصوصة، أعني بالجسم عبارة عن مقدار له طول وعرض وعمق يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو إلا بأن يتنحى عن ذلك المكان، وقد يستعار هذا اللفظ أعني اليد لمعنى ءاخر ليس ذلك المعنى بجسم أصلا كما يقال: البلدة في يد الأمير فإن ذلك مفهوم وإن كان الأمير مقطوع اليد مثلا، فعلى العامي أن يتحقق قطعا ويقينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد بذلك جسما هو عضو مركب من لحم ودم وعظم، وأن ذلك في حق الله تعالى محال وهو عنه مقدس، فإن خطر بباله أن الله جسم مركب من أعضاء فهو عابد صنم، فإن كل جسم فهو مخلوق، وعبادة المخلوق كفر، وعبادة الصنم كانت كفرا لأنه مخلوق، وكان مخلوقا لأنه جسم، فمن عبد جسما فهو كافر بإجماع الأمة السلف منهم والخلف »[(1039)] اهـ.

وقد قال أبو عليّ عمر بن محمد السكوني : «وليحترز من مواضع في كتاب «الإحياء» لأبي حامد الغزالي، ومن مواضع في كتاب «النفخ والتسوية» له أيضًا، ومن مواضع في تآليفه أيضًا دُسّت في تآليفه، أو رجع عنها كما ذكره في كتابه المسمى بالمنقذ من الضلال» [(1040)] اهـ.

وبهذا يظهر أن ما ينسب للغزالي في هذه المسألة وإن وجد في بعض كتبه فإنه إما مدسوس عليه أو رجع عنه، وكيف يثبت عنه وقد رأيت هذا النص المبين آنفا من كلام أبي حامد الغزالي نفسه، وما نبه إليه السكوني تاليًا من أمر الدس والتراجع، فتنبه.

وإذا وضح ما ذكرناه لك فإنه من المفيد أن نقف معا على ما يكشف اللبس الذي وقع فيه بعض الناس، من الضياع في أمر الفارق بين من ينطق بهذا اللفظ وهو فاهم لمعناه وبين من ينطق به وهو لا يفهم المعنى أو يظن أن لفظة جسم أو جهة فوق ترد في لسان العرب بمعنيين ، أحدهما المعنى الكفري الفاسد، والآخر المعنى الذي يوافق العقيدة السليمة، كما مر بك قريبا، على أنه تجدر الإشارة أن أغلب الناس اليوم ممن ينتسب للعربية يفهمون معنى الجسم والجهة إجمالا ، وعليه يأتي كلام بعض المشايخ إجماليا بما يؤدي للاضطراب في فهم كلامهم، وكان الأولى بمن يقرأ كلامهم أن يحرص على تلقيه وفهمه من أهل العلم لا أن يتجاسر على هذا الأمر الخطير الذي يؤدي به إلى التناقض في القول تارة بتكفير معتقد الحجم أو الجهة في حق الله، وتارة بأنه لا يكفر بمجرد إطلاق هذا اللفظ على الله، ووجه حل ذلك التناقض أن يقال: إن قائل هذا اللفظ إما أنه يعي ويفهم ما يقول، وإما أنه لا يعي ولا يفهم ما يقول .

وهو ما قاله الشيخ محمد الخضر الشنقيطي، ونصه: «وصرح العراقي بأن معتقد الجهة كافر، وقال إنه قول لأبي حنيفة ومالك والشافعي والأشعري والباقلاني، وقال بعض العلماء غيره بكفره أيضا لما يلزم على قوله من التجسيم المستحيل على الله تعالى، بل شدد بعضهم حتى قال: إن من اعتقد الجهة في حق الله تعالى كافر بالإجماع، ومن توقف في كفره فهو كافر، وما قاله من الإجماع مردود بما وقع بين الأئمة من الخلاف في تكفير أهل الأهواء[(1041)]، وقد حكى القاضي عياض وغيره جريان الخلاف في المشبهة وغيرهم من أهل الأهواء، والحق أن الخلاف في كفر القائل جار على الخلاف في لازم القول، هل هو كالقول أم لا ، قال ابن ميارة في التكميل:

«هل لازم القول يعد قولا

عليه كفر ذي هوى تجلى

وقيد بعض العلماء هذا الخلاف بما إذا كان اللزوم غير بيّن ، قال: وأما إن كان اللزوم بينا فهو كالقول بلا خلاف، والذي يظهر أن الجهة لازم عليها التجسيم لزوما بينا [(1042)].

قلت (أي الشنقيطي): ولعل هذا هو مستند من حكى الإجماع على كفر القائل بالجهة في حقه تعالى ، والتحرير أن قائل هذه المقالة التي هي القول بالجهة فوق إن كان يعتقد الحلول والاستقرار والظرفية أو التحيز فهو كافر، يسلك به مسلك المرتدين إن كان مظهرا لذلك ، وإن كان اعتقاده مثل أهل المذهب الثاني القائل بالجهة[(1043)]من غير تكييف ولا تحديد فقد تقرر الخلاف فيه، فعلى القول بالتكفير يرجع لما قبله، وعلى الصحيح ينظر فيه، فإن دعى الناس إلى ما هو عليه وأظهره وأشاعه فيصنع به ما قاله مالك رضي الله عنه فيمن يدعو إلى بدعته، ونص على ذلك في آخر الجهاد من المدونة وتأليف ابن يونس، وإن لم يدع إلى ذلك وكان يظهره فعلى من ولاه الله أمر المسلمين ردعه وزجره عن هذا الاعتقاد والتشديد عليه حتى ينصرف عن هذه البدعة»[(1044)] اهـ.

وهذا عينه هم ما نقله الشيخ ابن حجر الهيتمي، الذي قال بعد جمع نقول في هذه المسئلة ما نصه: «إذا تقرر هذا، فقائل هذه المقالة التي هي القول بالجهة فوق إن كان يعتقد الحلول والاستقرار والظرفية أو التحيز فهو كافر، يُسلك به مسلك المرتدين إن كان مظهرًا لذلك»[(1045)] اهـ.

فقول الشنقيطي وابن حجر: «إن كان يعتقد الحلول والاستقرار والظرفية أو التحيز فهو كافر»، كاف في تأكيد هذا المعنى مهما حاول بعض الناس اليوم أن يدوروا حول هذه المسئلة دوران التائه في تيه بني اسرائيل في سينا حين خالفوا أمر الله ونبي الله موسى عليه الصلاة والسلام.

بل يحسم هذه القضية ما قاله القرطبي، ونصه: «وقد قال هشام الجوالقي وطائفة من المجسمة: هو نور لا كالأنوار، وجسم لا كالأجسام، وهذا كله محال على الله تعالى عقلا ونقلا على ما يعرف في موضعه من علم الكلام.

ثم إن قولهم متناقض، فإن قولهم: جسم أو نور، حكم عليه بحقيقة ذلك، وقولهم: لا كالأنوار ولا كالأجسام نفي لما أثبتوه من الجسمية والنور، وذلك متناقض ، وتحقيقه في علم الكلام، والذي أوقعهم في ذلك ظواهر اتبعوها»[(1046)] اهـ.

وقال الشيخ تقي الدين الحصني: «وفي مواضع أغراضهم الفاسدة يجرون الأحاديث على مقتضى العرف والحس ويقولون ينزل بذاته وينتقل ويتحرك ويجلس على العرش بذاته ثم يقولون لا كما يعقل يغالطون بذلك من يسمع من عامي وسيء الفهم وذلك عين التناقض ومكابرة في الحس والعقل لأنه كلام متهافت يدفع آخره أوله وأوله آخره»[(1047)] اهـ.

قال الشيخ محمود خطاب السبكي: «(واعلم) أن من القواعد المقررة المعلومة بضرورة المشاهدة: أن من نهج منهج الضلال والإضلال، ليبطل الحق وينصر الباطل يتردى سريعا في ظلمات الخزي والدمار، بنفس كلامه الذي ينادى عليه أنه مبطل جاهل. وبذا يكفى المؤمن مؤنة الرد عليه بذكر الدلائل، ألا ترى ما وقع فيه ابن القيم وأمثاله من التناقض في قولهم إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا وهو جالس على عرشه، فإن كونه تعالى على عرشه يناقض كونه في سماء الدنيا، وقولهم إنه تعالى يكون في سماء الدنيا وما زال العرش تحته، فهل العرش الذي هو أكبر المخلوقات ومنها السموات تحول إلى كونه أصغر من سماء الدنيا التي هي أصغر السموات وخرق الأفلاك حتى وصل إلى سماء الدنيا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. حقا إن هذه خرافات ووخيم ترهات وخزعبلات تضحك الثكلى. قال تعالى حكاية عن حال أهل النار {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ *} [(1048)]، فقل لهم أيها المؤمن، ما الذي دعاكم إلى ارتكاب هذه الجرائم المكفرة الشنيعة، التي آلت بمن اعتقدها إلى الوقوع في غياهب السعير والقطيعة، هل الله تعالى ليس قادرا على أن يغفر ويرحم ويقضي حوائج خلقه؟ وهو تعالى على ما كان عليه قبل خلق العالم، فحملتم الحديث على ظاهره فوقعتم في مهاوي تلك المهالك، وأوقعتم غيركم من ضعفاء العقول في صريح الكفر الحالك، ولم تتبعوا سبيل المؤمنين الذي كان عليه كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله سلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم وسلف الأمة المحمدية رحمهم الله تعالى، قال الله تعالى {…وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ *} [(1049)]، والحاصل أنه لا ريب في أن هذا الاعتقاد المذكور الذي عليه ابن القيم وأضرابه من فظيع البهتان والزور، نزغة شيطانية من أقبح النزغات، وعثرة من شنيع العثرات، أو وخيم أضغاث أحلام تخيلوها تحقيقات، وإلا فكيف يتصور من عنده أدنى شائبة عقل ودين، أن الإله القديم رب العالمين، يوصف بما يستحيل عليه من صفات الحوادث كالجلوس على العرش أو الحلول في السماء أو التحول والنزول، ويخالف إجماع المسلمين والمعقول والمنقول. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وعلا علوا كبيرا عما يعتقده المشبهون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى من كان بهديه من العاملين»[(1050)] اهـ.

وقال في موضع آخر: «(وبذكر) تلك النصوص والبراهين الناطقة بأن الله تبارك وتعالى يستحيل عليه الجلوس على العرش أو الحلول في السماء، أو في جهة من الجهات أو اتصافه بشىء من صفات الحوادث (تزداد) علما بكفر من يعتقد ذلك، كالمجسمة الذين كفر بسببهم كثير من جهلة العوام، نعوذ بالله تعالى من عمى البصيرة والعقائد الزائغة ونسأله السلامة من كل اعتقاد يخالف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، والسلف الصالح الذين منهم الأئمة المجتهدون رضي الله تعالى عنهم أجمعين»[(1051)] اهـ.

قال الشيخ عبد الرحمـن الجزيري: «المالكية قالوا: إن ما يوجب الردة ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: أن يقول كلمة كفر صريحة كقوله: إنه كفر بالله، أو برسول الله، أو بالقرآن، أو يقول: إن الإله اثنان، أو ثلاثة، أو المسيح ابن الله، أو عزير ابن الله.

الثاني: أن يقول لفظًا يستلزم الكفر استلزامًا ظاهرًا، وذلك كأن ينكر شيئًا معلومًا من الدين بالضرورة، كفرضية الصلاة، فإنه وإن لم يكن كفرًا صريحًا ولكنه يستلزم تكذيب القرآن أو تكذيب رسول الله، أو يقول: إن الله جسم متحيز في مكان، لأن ذلك يستلزم أن يكون الإله محتاجًا للمكان، والمحتاج حادث لا قديم ، ومن ذلك ما إذا أحل حرامًا معلومًا من الدين بالضرورة، كشرب الخمر، والزنا، واللواط، وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك.

الثالث: أن يفعل أمرًا يستلزم الكفر استلزامًا بينًا، كأن يرمي مصحفًا أو بعضه، ولو آية في شىء مستقذر تعافه النفس، ولو طاهرًا كالبصاق والمخاط، أو يلطخه به بأن يبصق عليه، أو يراه ملطخًا بالأقذار وهو قادر على إزالتها عنه فلم يفعل وتركه استخفافًا وتحقيرًا، فمدار الكفر على الاستخفاف والتحقير»[(1052)] اهـ. وبناء على ما تقدم من:

– بيان معنى تكذيب الدين ضمنا ومعنى.

– وبيان تقسيم الألفاظ إلى صريح وظاهر.

– وبيان من هم أهل القبلة.

– وبيان أن لازم المذهب في حال كونه بينا أي صريحا مذهب.

– وبيان أن لفظ الجسم والجهة صريح في إفادته معنى تشبيه الله بخلقه كما تقدم.

– وأن قائل هذه الألفاظ داخل تحت حكم المكذب للنصوص القطعية تواترا ودلالة من القرآن والسنة، بالإضافة لإنكار الحكم العقلي القاطع على تنـزيه الله عن مشابهة الخلق ومن ذلك تنـزيهه سبحانه عن الجسمية والمكان والجهة، فهو منكر لضروري من ضروريات الدين وقطعياته فلا يكون معدودا من أهل القبلة.

فلم يبق إلا النظر في فهم هذا القائل لهذا اللفظ، فإما أنه يفهم المعنى الفاسد حين تكلم به، وإما أنه لا يفهم ما يقول، ويحتمل أن يقال: إن من سمى الله بالجسم يظن أن معناه موجود أو قائم بالنفس أي مستغن عن غيره أو هو كمعنى شىء عنده أي متحقق الوجود، وهو وإن كان وهما من مطلقه على الله، لكنه إن لم يصرح بوصف الله بصفات الجسم وكان صادق الدعوى فيما يدعيه من ظنه ما تقدم بيانه في فهمه لمعنى الجسم، فهو كالأعجمي الذي لا يفهم ما يقول، وإلا بأن فهم ما يقول لكنه ادعى هذا المعنى للفظة الجسم أي ابتكره فلا عذر له، وهو بذلك متستر يخفي عقيدة التجسيم لا غير.

قال الأستاذ أبو منصور التميمي البغدادي رحمه الله: «وقد شاهدنا قوما من عوام الكرامية لا يعرفون من الجسم إلا اسمه، ولا يعرفون أن خواصهم يقولون بحدوث الحوادث في ذات الله البارئ تعالى، فهؤلاء -أي عوامهم- يحل نكاحهم وذبائحهم والصلاة عليهم»[(1053)] اهـ.

يساعدنا على هذا البيان ما قاله إمام الحرمين الجويني في الشامل: «وغلت طائفة من المثبتين، فاقتربوا من التشبيه، واعتقدوا ما يلزمهم القول بمماثلة القديم صنعه وفعله. فذهب ذاهبون إلى أن الرب سبحانه وتعالى جسم، ثم اختلفت مذاهب هؤلاء فزعم بعضهم أن معنى الجسم: الوجود، وأن المعنى بقولنا: إن الله جسم، أنه موجود. وصار آخرون إلى أن الجسم هو القائم بالنفس، وقد مال إلى هذين المذهبين طائفة من الكرامية. وذهب بعض المجسمة إلى وصف الرب تعالى بحقيقة أحكام الأجسام، وصار إلى أنه متركب متألف من جوارح وأبعاض، تعالى الله عن قولهم»[(1054)] اهـ.

وقال في موضع آخر[(1055)]: «القول في الجسم ومعناه.

اختلف الناس في حقيقة الجسم وحده. فالذي صار إليه الفلاسفة: أن الجسم هو الطويل العريض العميق، وإلى ذلك صار معظم المعتزلة. وربما عبروا عن هذا المعنى بعبارات ومحصول جميعها واحد. فقال بعضهم: الجسم هو الذهاب في الجهات، وعنى بالذهاب فيها ما قدمناه من جهة العرض والطول والعمق. وقال بعضهم: الجسم هو الذي له الأبعاد الثلاثة، وفسر الأبعاد بما قدمناه. وذهب الصالحي إلى: أن الجسم هو القائم بنفسه. وذهب هشام في آخر أقواله إلى أن الجسم إذا سمي به الإله تعالى وقيل: هو جسم لا كالأجسام، فالمراد به أنه شىء لا كالأشياء.

واختلفت مذاهب الكرامية في الجسم، فذهب شرذمة منهم إلى أن الجسم: هو الموجود. وصار آخرون إلى أن الجسم: هو القائم بالنفس ، وذهب الأكثرون منهم إلى أن الجسم: هو الذي يماس غيره من إحدى جهاته. وهؤلاء افترقوا فصار صائرون منهم إلى تجويز المماسة من جهة تحت ومنعها من سائر الجهات.

وذهب آخرون إلى تجويز المماسة من سائر الجهات، وألزم هؤلاء تجويز ذلك ليكون القديم محاطا بالأجسام، فالتزموا ذلك، ولم يكترثوا به.

والذي صار إليه أهل الحق أن: الجسم هو المؤلف والمتألف. والدليل على ما صرنا إليه أن نقول: وجدنا أهل اللسان إذا راموا الإنباء عن مفاضلة بين شخصين في الضخامة والعبالة[(1056)] وكثرة الأجزاء يقولون: هذا أجسم من هذا، فقد علمنا قطعا أنهم قصدوا بإطلاق هذه اللفظة التعرض لتفاضل بين الذاتين، ثم نظرنا في جملة صفات الذات وتتبعناها سبرا وتقسيما، فعلمنا أنهم لم يريدوا بالأجسم التفاضل في معنى، عدا كثرة الأجزاء والتأليف فيها» اهـ.

إلى أن قال[(1057)]: «وأما من قال: الجسم هو القائم بالنفس، فكل ما قدمناه رد عليه، إذ الجسم مما يسوغ التفاضل في معناه، وليس كذلك القائم بالنفس. وبقريب من ذلك نرد على هشام في تسميته وتفسيره الجسم بالشىء، ونزيده وجها آخر فنقول: أقصى ما تصير إليه أن الرب جسم لا كالأجسام، بمعنى أنه شىء لا كالأشياء، فيلزمك على طرد ذلك تسمية الأعراض أجساما من حيث كانت أشياء، هو يمنع تسمية العرض جسما، فإن اعترف بذلك، فقد نقض مذهبه، وإن أبى وامتنع من تسمية الأعراض أشياء فقد جحد اللغة، وراغم آيا من كتاب الله منها: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ *} [(1058)]. والمراد بذلك تبديلهم وتحويلهم، وهو من أفعالهم وأفعال المحدثين أعراض. وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ *} [(1059)] إلى غير ذلك من الآيات. ووجه جحده اللغة واضح، فإن من أنكر تسمية اللون والأصوات أشياء، فقد راغم. ويتسرع إلى الرد عليه أقل من شدا طرفا من كلام العرب، وهذا سبيل الرد على الكرامية إذا زعموا أن الجسم: هو الموجود»[(1060)] اهـ.

قال الذهبي: «ومن بدع الكرامية قولهم في المعبود تعالى أنه جسم لا كالأجسام»[(1061)] اهـ.

وقال الحافظ البيهقي: «فإن قال قائل فإذا كان القديم سبحانه شيئا لا كالأشياء ما أنكرتم أن يكون جسما لا كالأجسام؟

قيل له: لو لزم ذلك للزم أن يكون صورة لا كالصور، وجسدا لا كالأجساد، وجوهرا لا كالجواهر، فلما لم يلزم ذلك لم يلزم هذا، وبعد فإن الشىء سمة لكل موجود، وقد سمى الله سبحانه وتعالى نفسه شيئا، قال الله عز وجل: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ… *} [(1062)] لم يسم نفسه جسما، ولا سماه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا اتفق المسلمون عليه، ونحن فلا نسمي الله عز وجل باسم لم يسم هو به نفسه ولا رسوله ولا اتفق المسلمون عليه ، قال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} [(1063)][(1064)] اهـ.

وقد اختصر هذا البحث الآمدي في أبكار الأفكار فقال ما نصه: «المسئلة الثانية في أن البارئ تعالى ليس بجسم. مذهب أهل الحق: إن البارئ – تعالى – ليس بجسم، وذهب بعض الجهال: إلى أنه جسم. ثم اختلفوا:

وذهب بعض الكرامية: إلى أنه جسم، بمعنى أنه موجود.

وذهب بعضهم: إلى أنه جسم، بمعنى أنه قائم بنفسه.

وذهب بعض المجسمة: إلى أنه جسم حقيقة، وأنه متصف بأحكام الأجسام (وأنه متصف بصفات الجسمية).

ثم إن منهم من قال: إنه مركب من لحم ودم، كمقاتل بن سليمان، وغيره. ومنهم من قال: إنه نور يتلألأ كالسبيكة البيضاء، وطوله سبعة أشبار بشبر نفسه. ومن المجسمة من غالى وقال: إنه على صورة إنسان.

لكن منهم من قال: على صورة شاب أمرد جعد قطط.

ومنهم من قال: إنه على صورة شيخ أشمط الرأس واللحية، تعالى الله عن قول المبطلين»[(1065)] اهـ.

فإذا تبين ذلك كله عرف السبب في عدم حكم بعض العلماء بالكفر على من استجاز إطلاق لفظة الجسم على الله سبحانه، وإلا فإن الإجماع منعقد على تكفير من أفصح بوصف الله بالتركيب والحجم أو وصف الله بالجسمية وهو مدرك لمعناه الحقيقي في اللغة، فإنه لا تأويل لكلامه بالمرة، لا خلاف بينهم في هذا الحكم، فإن إطلاق لفظ الجسم على الله تعالى باختيار من قائله أي من غير إكراه مع العلم بما فيه من النقص استخفاف.

يوضح هذا ما قاله أبو المعين النسفي في التمهيد، ونصه: «ومن أطلق اسم الجسم على الله تعالى وعنى به القائم بالذات لا المتركب كما ذهب إليه الكرامية أخزاهم الله، وهو إحدى الراويتين عن هشام بن الحكم، فالخلاف بيننا وبينه في الاسم دون المعنى وهو مخطئ. لما أنه في اللّغة اسم للمتركب، فمن أطلق اسم الجسم ولم يرد به معنى التركب فقد أمال الاسم عن موجبه لغة إلى غير موجبه، وهو معنى الإلحاد ، ولو جاز ذا لجاز لغيره أن يسميه رجلا، ويقول: عنيت به القائِم بالذات وكذا في كل اسم مستنكر، وتجويزه خروج عن الدين ، والامتناع عنه تناقض، يحققه: أن معنى الاسم لو كان ثابتا من غير إحالة لامتنعنا عن إطلاق الاسم بدون الشرع الوارد به، لأننا ننتهي في أسماء الله تعالى إلى ما أنهانا إليه الشرع، ولهذا لا نسميه طبيبا، وإن كان عالما بالأدواء، والعلل والأدوية، ولا فقيها وإن كان عالما بالأحكام.

فإذا لم يكن الشرع بلفظ الجسم واردا، وكان معناه الثابت لغة مستحيلا على الله تعالى كان إطلاقه ممتنعا.

فأما لفظه الشىء فقد ورد بها الشرع، قال الله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ… *} [(1066)]، ومعناه أيضا ثابت، لأنه اسم للموجود الثابت الذات، والله تعالى موجود وذاته ثابتة. فإطلاق اسم الجسم مع أن الشرع لم يرد به، واستحال أيضا معناه قياسا على إطلاق اسم الشىء، والشرع ورد به، ومعناه واجب غير مستحيل على الله تعالى، جهل فاحش. وقولهم: إنا نقول: إنه جسم لا كالأجسام، كما نقول: إنه شىء لا كالأشياء قول فاسد، لأنهم إن نفوا بقولهم: لا كالأجسام معنى التركيب، فقد أبطلوا قولهم: إنه جسم، وصاروا مناقضين، وصاروا قائلين: إنه جسم وليس بجسم، وإن لم ينفوا به معنى التركب لم ينفعهم قولهم: لا كالأجسام.

فأما قولنا: شىء لا ينفي بقولنا: لا كالأشياء معنى الثبوت والوجود الذي هو مقتضى لفظة الشىء، بل نفينا بقولنا: لا كالأشياء ما وراء مطلق الوجود من المعاني التي هي من دلالات الحدث كالجسمية والجوهرية والعرضية، فلم نعد بذلك ناقضين، وكان في قولنا: لا كالأشياء فائدة على أنا لما عنينا بقولنا: لا كالأشياء نفي الجسمية، فإلزامنا بإطلاق لفظ ننفي به الجسمية أن نجوز إطلاق لفظة الجسم جهل بحقائق الألفاظ والمعاني، والله الموفق» اهـ.

وقال أيضًا: «ويستحيل أن يقال: إن الله جل ثناؤه وتعالى أصل للمتركبات، تتركب هي منه، فلم يكن جوهرا. ولا يقال: إنه اسم للقائم بالذات والله تعالى قديم قائم بالذات فيكون جوهرا لما أنه ليس في لفظ الجوهر ما ينبئ عن القائم بالذات لغة، بل هو ينبئ عن معنى الأصل، وتحديد اللفظ بما لا ينبئ عنه لغة، وإخراج ما ينبئ عنه لغة عن كونه حدا له جهل فاحش، والله تعالى الموفق» اهـ.

قال ابن حزم الذي هو منتقد عند أهل العلم فيما شذ فيه: «فإن قالوا لا فرق بين قولنا شىء وبين قولنا جسم.

قيل لهم: هذه دعوى كاذبة على اللغة التي بها يتكلمون ، وأيضا فهو باطل لأن الحقيقة أنه لو كان الشىء والجسم بمعنى واحد لكان العرض جسما، لأنه شىء وهذا باطل بيقين، والحقيقة هي أنه لا فرق بين قولنا شىء وقولنا موجود وحق ومثبت، فهذه كلها أسماء مترادفة على معنى واحد لا يختلف وليس منها اسم يقتضي صفة أكثر من أن المسمى بذلك حق ولا مزيد، وأما لفظة جسم فإنها في اللغة عبارة عن الطويل العريض العميق المحتمل للقسمة ذي الجهات الست التي هي فوق وتحت ووراء وأمام ويمين وشمال، وربما عدم واحدة منها وهي الفوق، هذا حكم هذه الأسماء في اللغة التي هذه الأسماء منها، فمن أراد أن يوقع شيئا منها على غير موضوعها في اللغة فهو مجنون وقاح، وهو كمن أراد أن يسمي الحق باطلا، والباطل حقا، وأراد أن يسمي الذهب خشبا، وهذا غاية الجهل والسخف إلا أن يأتي نص بنقل اسم منها عن موضوعه إلى معنى آخر فيوقف عنده، وإلا فلا، وإنما يلزم كل مناظر يريد معرفة الحقائق أو التعريف بها أن يحقق المعاني التي يقع عليها الاسم ثم يخبر بعد بها أو عنها بالواجب، وأما مزج الأشياء وقلبها عن موضوعاتها في اللغة فهذا فعل السوفسطائية الوقحاء الجهال الغابنين لعقولهم وأنفسهم»[(1067)] اهـ.

قال الفقيه المتكلم ابن المعلم القرشي: «إن قسما من القائلين بالتحيز بالجهة أطلقوا الجسمية ومنعوا التأليف والتركيب، وقالوا: «عنيت بكونه جسما وجوده»، وهؤلاء كفروا» [(1068)] اهـ. وإنما كفرهم لفهمهم ما تعطيه هذه اللفظة من التأليف والتركيب.

ومع ذلك فقد قال الدواني في شرحه للعقائد العضدية: «ومنهم من تستر بالبلكفة، فقال هو جسم لا كالأجسام، وله حيز لا كالأحياز، ونسبته إلى حيزه ليس كنسبة الأجسام إلى أحيازها، وهكذا ينفي جميع الخواص للجسم عنه، ولا يبقى إلا اسم الجسم، وهؤلاء لا يكفرون بخلاف المصرحين بالجسمية»[(1069)] اهـ.

(قيل) وفي قوله: «ومنهم من تستر بالبلكفة»، تنبيه على حال هؤلاء القوم من أنهم ادعوا أنهم يظنون أن لفظة جسم معناه الموجود أو القائم بنفسه، لاحظ قوله: «وهكذا ينفي جميع الخواص للجسم عنه، ولا يبقى إلا اسم الجسم» اهـ، فنبه العلماء أنه إن كان هذا هو حالهم حقيقة لا ادعاء كاذبا فإنهم لا يكفرون، معتبرين حالهم بأنهم في هذا كالأعاجم، أي هذا إن كانوا صادقين في دعواهم هذه، كما مر بيانه، لا أنهم يفهمون ما يراد من كلمة الجسم في لسان العرب ومع ذلك يبتكرون لها معنى آخر، وهو الموجود ونحوه، فليتنبه لهذا القيد فإنه دقيق.

(قيل) مع أن هناك مؤاخذة على تساهل الدواني في التعبير عن هذا المقام واختصاره له إلى حد الإخلال بقيوده وضوابطه التي كان ينبغي بيانها، لأن قوله شارحا حالهم فيما ادعوه: «ونسبته إلى حيزه ليس كنسبة الأجسام إلى أحيازها» اهـ، مشكل أي إشكال، لكن لعله مشى على التعبير عن دعواهم بأخصر عبارة.

ولا يجوز في مثل هذا الأمر الخطير والشأن الجلل أن يتناقض كلام أهل العلم، وإنما ينـزّل على المعنى الذي كشفناه وبيناه، وإلا فهو قول بعدم تكفير من وصف الله بصفة من صفات الخلق كالتركيب والتأليف والصورة ونسبة الجهة إليه سبحانه وهو الكفر الصراح المتفق على اعتباره كفرا بين أهل الإسلام قاطبة[(1070)]، وهو قول متهافت ينقض بعضه بعضا، ولا ينصره صاحب فهم بدين الله تعالى، وهدي الكتاب والسنة، وما جرى عليه أعلام الأمة من التصريح بكفر المجسم لمعارضته ومصادمته لمعنى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} ، وصريح ما عليه العقل.

قال الزرقاني: «ولقد علمت أن حمل المتشابهات في الصفات على ظواهرها مع القول بأنها باقية على حقيقتها ليس رأيا لأحد من المسلمين ، وإنما هو رأي لبعض أصحاب الأديان الأخرى كاليهود والنصارى وأهل النحل الضالة كالمشبهة والمجسمة، أما نحن معاشر المسلمين فالعمدة عندنا في أمور العقائد هي الأدلة القطعية التي توافرت على أنه تعالى ليس جسما ولا متحيزا ولا متجزئا ولا متركبا ولا محتاجا لأحد ولا إلى مكان ولا إلى زمان ولا نحو ذلك. ولقد جاء القرآن بهذا في محكماته، إذ يقول: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} ، ويقول: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} ، ويقول: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} ، ويقول: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ *} ، وغير هذا كثير في الكتاب والسنة، فكل ما جاء مخالفا بظاهره لتلك القطعيات والمحكمات فهو من المتشابهات التي لا يجوز اتباعها كما تبين لك فيما سلف.

ثم إن هؤلاء المتحمسين في السلف متناقضون لأنهم يثبتون تلك المتشابهات على حقائقها، ولا ريب أن حقائقها تستلزم الحدوث وأعراض الحدوث كالجسمية والتجزؤ والحركة والانتقال، لكنهم بعد أن يثبتوا تلك المتشابهات على حقائقها ينفون هذه اللوازم، مع أن القول بثبوت الملزومات ونفي لوازمها تناقض لا يرضاه لنفسه عاقل فضلا عن طالب أو عالم ، فقولهم في مسألة الاستواء الآنفة: إن الاستواء باق على حقيقته، يفيد أنه الجلوس المعروف المستلزم للجسمية والتحيز، وقولهم بعد ذلك: ليس هذا الاستواء على ما نعرف يفيد أنه ليس الجلوس المعروف المستلزم للجسمية والتحيز، فكأنهم يقولون: إنه مستو غير مستو، ومستقر فوق العرش غير مستقر أو متحيز غير متحيز وجسم غير جسم أو أن الاستواء على العرش ليس هو الاستواء على العرش، والاستقرار فوقه ليس هو الاستقرار فوقه إلى غير ذلك من الإسفاف والتهافت، فإن أرادوا بقولهم: الاستواء على حقيقته أنه على حقيقته التي يعلمها الله ولا نعلمها نحن فقد اتفقنا، لكن بقي أن تعبيرهم هذا موهم لا يجوز أن يصدر من مؤمن ، خصوصا في مقام التعليم والإرشاد، وفي موقف النقاش والحجاج، لأن القول بأن اللفظ حقيقة أو مجاز لا ينظر فيه إلى علم الله وما هو عنده، ولكن ينظر فيه إلى المعنى الذي وضع له اللفظ في عرف اللغة، والاستواء في اللغة العربية يدل على ما هو مستحيل على الله في ظاهره، فلا بد إذن من صرفه عن هذا الظاهر، واللفظ إذا صرف عما وضع له واستعمل في غير ما وضع له خرج عن الحقيقة إلى المجاز لا محالة ما دامت هناك قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي.

ثم إن كلامهم بهذه الصورة فيه تلبيس على العامة وفتنة لهم، فكيف يواجهونهم به ويحملونهم عليه؟ وفي ذلك ما فيه من الإضلال وتمزيق وحدة الأمة ، الأمر الذي نهانا القرآن عنه، والذي جعل عمر يفعل ما يفعل بصبيغ أو بابن صبيغ، وجعل مالكا يقول ما يقول ويفعل ما يفعل بالذي سأله عن الاستواء، وقد مر بك هذا وذاك، ولو أنصف هؤلاء لسكتوا عن الآيات والأخبار المتشابهة، واكتفوا بتنزيه الله تعالى عما توهمه ظواهرها من الحدوث ولوازمه، ثم فوضوا الأمر في تعيين معانيها إلى الله وحده، وبذلك يكونوه سلفيين حـقا لكنها شـبهات عرضت لهم في هذا المقام فشوشت حالهم وبلبلت أفكارهم»[(1071)] اهـ.

قال الشيخ محمود محمد خطاب السبكي: «فقد اغتر كثير من بسطاء العقول بقول وتأليف بعض المنسوبين إلى العلم المتضمن تشبيه الله تعالى بخلقه، واعتقدوا أنه جسم يحل في الأمكنة وله جهة، وأنه تعالى جالس على العرش بذاته وكائن في السماء إلى غير ذلك من المكفرات. (ومن المعلوم) أن غالب العوام ليس عندهم من العلوم والمعارف ما يقيهم من الوقوع في العقائد الفاسدة وفي شرك الضالين. فترى زائغ العقيدة يقول للعامي (الله جالس على العرش) بدليل قوله تعالى: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *} ، وبدليل قول فلان المؤلف إن استوى على العرش بذاته، وإنه يحل في السماء بدليل قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} ، وبدليل إشارة الجارية إلى السماء حينما سألها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «أين الله»، والله له جهة بدليل قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} ، والله جسم والله يتصف بالتحول والانتقال بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا» الحديثَ إلى غير ذلك من الشبه والتمويهات (ولتلك) الشرذمة دسائس وأذناب يتجولون في القرى والمدن ليضلوا ضعفة العقول من جهلة العوام ببث العقائد الفاسدة في أذهانهم، فيكفرون باعتقاد أن الله تعالى جسم شبيه بخلقه، جالس على عرشه، حال في سمائه، يتصف بالتحول والانتقال إلى غير ذلك من صفات الحوادث، مع العلم بأن الجاهل لا يعذر بجهله بأمور دينه ولا سيما ما يتعلق بالعقائد ، فالواجب عليه أن يتبين أمر دينه وأحكامه وعقائده حتى يقف على ما كان عليه سلف الأمة وخلفها من أن الله تعالى ليس كمثله شىء فلا مكان له ولا جهة ولا يتصف بالتحول والانتقال وليس جسما ولا جوهرا ولا عرضا، وعلى الجملة فكل ما خطر ببالك فالله بخلافه»[(1072)] اهـ.

وقال أيضًا: «في الفتوحات .. ما ضل من ضل من المشبهة إلا بالتأويل – الفاسد -، وحمل ما وردت به الآيات والأخبار على ما يسبق منها إلى الفهم، من غير نظر فيما يجب لله تعالى من التنزيه، فقادهم ذلك إلى الجهل المحض والكفر الصراح، ولو طلبوا السلامة وتركوا الأخبار والآيات على ما جاءت من غير عدول منهم فيها إلى شىء ألبتة، ويكلون علم ذلك إلى الله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم»[(1073)] اهـ.

قال ابن المعلم القرشي: «وعن علي رضي الله عنه قال: سيرجع قوم من هذه الأمة عند اقتراب الساعة كفارا، فقال رجل: يا أمير المؤمنين كفرهم بماذا أبالإحداث أم بالإنكار؟ فقال: بل بالإنكار ينكرون خالقهم فيصفونه بالجسم والأعضاء»[(1074)] اهـ.

وفي كتاب محمد بن بدر الدين بن بلبان الدمشقي الحنبلي: «ويجب الجزم بأنه سبحانه وتعالى ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض». ثم قال: «فمن اعتقد أو قال إن الله بذاته في كل مكان أو في مكان فكافر»[(1075)] اهـ.

وقال الشيخ محمود محمد خطاب السبكي: «فقد علمت مما ذكره أولئك الأئمة المحققون من الأدلة والبراهين النقلية والعقلية أن الله عز وجل لا جهة له ولا مكان ولا يمر عليه زمان، إذ هو تعالى مخالف للحوادث. وردهم على أصحاب العقائد الزائغة المكفرة المعقدة أن الله تعالى جسم جلس على العرش أو حل في السماء، إلى غير ذلك من الكفر الصريح أجارنا الله تعالى من الضلال والإضلال وأهلهما.

(فمن) اعتقد أنه سبحانه وتعالى يشبه شيئا من الحوادث كالجلوس في مكان أو التحيز في جهة (فهو) ضال مضل كافر بالله عز وجل . نسأله تعالى السلامة من سوء الاعتقاد والتوفيق للعقائد الحقة التي ترضيه عز وجل»[(1076)] اهـ.

هذا وقد مر بك ما نقله القرافي من اتفاق الأئمة الأربعة على تكفير المجسم كما نقل ذلك عنه ابن حجر الهيتمي الذي قال: وهم حقيقون بذلك، وكذلك ما نقله السيوطي عن الشافعي في تكفير المجسم.

وقال الإمام مالك رضي الله عنه في أهل الأهواء كلهم: «أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا»، روى ذلك الحافظ المجتهد المطلق محمد بن المنذر في كتابه الإشراف[(1077)]، ومعناه أنهم كفار، وهم المجسمة والجهمية والخطابية والقدرية والقائلين بخلق الأفعال وبخلق القرءان على معنى أن الله ليس له كلام إلا ما يخلقه في غيره، فجعلوا القرءان مما يخلقه في غيره.

ولا يلتفت بعد هذا إلى ما لا يعول عليه من النقول إما لعدم ثبوته عمن نسب إليه أو لنـزول القائل عن درجة الاحتجاج به ، لكونه ليس من أهل الاجتهاد ولا من أصحاب الوجوه في المذهب، أو خالف قوله قول إمامه، مع نزول القائل عن رتبة الاجتهاد، مهما تردد ذكرها في الكتب أو تكرر الاعتماد عليها من قبل بعض من شأنه أن يجمع الأقوال من غير تحقيق وضبط، ومن ذلك ما نبه إليه الزركشي: «ونقل صاحب الخصال من الحنابلة عن أحمد أنه قال: من قال: جسم لا كالأجسام كفر، ونقل عن الأشعرية أنه يفسق، وهذا النقل عن الأشعرية ليس بصحيح» [(1078)] اهـ. وذلك لأن الصواب الذي لا محيد عنه أنه يكفر لمعارضته صريح القرءان والسنة.

وعلى ما عرفت مما تقدم من النصوص والبيان تعال نقرأ معا ما قاله القاضي البياضي في إشارات المرام[(1079)]، حيث نبه على ما نقله عن الإمام أبي حنيفة في حديث الجارية، وما عقّب به عليه، ومما قاله: «وفرّع عليه ببيان حكم المخالفة فيه، تشييدا لقواعد التنـزيه، وتنبيها على استلزام نسبة النقص في القول بالتحيز والتشبيه، فقال فيه: (فمن قال: لا أعرف ربي أفي السماء أم في الأرض فهو كافر)، لكونه قائلا باختصاص البارئ بجهة وحيز، وكل ما هو مختص بالجهة والحيز فإنه محتاج محدث بالضرورة، فهو قول بالنقص الصريح في حقه تعالى، (كذا من قال: إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض)، لاستلزامه القول باختصاصه تعالى بالجهة والحيز والنقص الصريح في شأنه، سيما في القول بالكون في الأرض، ونفي العلو عنه تعالى، بل نفي ذات الإله المنـزه عن التحيز ومشابهة الأشياء. وفيه إشارات:

الأولى: أن القائل بالجسمية والجهة منكر وجود موجود سوى الأشياء التي يمكن الإشارة إليها حسا، فمنهم منكرون لذات الإله المنـزه عن ذلك، فلزمهم الكفر لا محالة…

الثانية: إكفار من أطلق التشبيه والتحيز، وإليه أشار بالحكم المذكور لمن أطلقه، واختاره الإمام الأشعري، فقال في النوادر: من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه، وإنه كافر به، كما في شرح الإرشاد لأبي قاسم الأنصاري، وفي الخلاصة أن المشبه إذا قال: له تعالى يد ورجل كما للعباد فهو كافر» اهـ.

إلى أن يقول في الثالثة كلاما كان ينبغي بيانه وإيضاحه لا إمراره هكذا بلا تنبيه على ما تقدم بيانه مع ما فيه من إشكال ، وقد تقدم في هذه الرسالة الإشارة إلى بيانه وتوضيحه، ونصه: «الثالثة: عدم إكفار من قال: هو جسم متحيز لا كالأجسام المتحيزة، كما ذهب إليه محمد بن الهيصم وبعض الحنابلة، وإليه أشار بعدم التعرض له في المقام، فهو مبتدع في إطلاق الجسم وليس بكافر، لرفعه إيهام النقصان، بقوله: لا كالأجسام، وقيل: يكفر بمجرد الإطلاق، كما في باب الإمامة من فتح القدير، وقد أطلق في الخانية والمحيط عدم جواز الاقتداء بالمشبه.

الرابعة: الرد على من أنكر إكفار المشبه مطلقا ذهابا إلى أن القائل بأنه جسم غالط فيه غير كافر، لأنه لا يطرد قوله بموجبه كما اختاره الباقلاني كما في شرح الإرشاد، واختاره الآمدي في الأبكار، فقال في خاتمته: إنما يلزم التكفير أن لو قال: إنه جسم كالأجسام وليس كذلك بل ناقض كلامه في فصل التنـزيه منه، ومن المنائح حيث قال فيه: ومن وصفه تعالى بكونه جسما: منهم من قال: إنه جسم: أي موجود لا كالأجسام، كبعض الكرامية. ومنهم من قال إنه على صورة شاب أمرد. ومنهم من قال: على صورة شيخ أشمط. وكل ذلك كفر وجهل بالرب، ونسبة للنقص الصريح إليه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا» اهـ.

فلو قورن هذا الكلام بما تقدم لكشف النقاب عنه ولظهر للقارئ وجوه الجواب، ولا يجوز القول بعدم تكفير من قال: هو جسم متحيز لا كالأجسام المتحيزة ، إلا أن يكون كالأعجمي أو يظن أن معنى الجسم والمتحيز في لغة العرب الموجود مثلا كما تقدم.

ثم لاحظ النص التالي: قال المناوي ناقلا عن الأصحاب: «والمشبه إذا قال له تعالى يد ورجل كما للعباد فهو كافر ملعون. وإن قال جسم لا كالأجسام فهو مبتدع، لأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم عليه، وهو موهم للنقص فرفعه بقوله: «لا كالأجسام»، فلم يبق إلا مجرد الإطلاق، وذلك معصية تنتهض سببا للعقاب لما قلنا من الإيهام، بخلاف ما لو قاله على التشبيه فإنه كافر، وقيل يكفر بمجرد الإطلاق أيضا، وهو حسن بل هو أولى بالتكفير. ….. انتهى من الخلاصة، إلا تعليل إطلاق الجسم مع نفي التشبيه.

إلى أن ختم بقوله: بخلاف مطلق اسم الجسم مع نفي التشبيه، فإنه يكفر لاختياره إطلاق ما هو موهم للنقص بعد علمه بذلك، ولو نفى التشبيه فلم يبق منه إلا التساهل والاستخفاف بذلك.

ومثله قال كمال الدين السيواسي: «والمشبه إذا قال: له تعالى يد ورجل كما للعباد فهو كافر ملعون، وإن قال: جسم لا كالأجسام، فهو مبتدع لأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم عليه، وهو موهم للنقص فرفعه بقوله: لا كالأجسام، فلم يبق إلا مجرد الإطلاق، وذلك معصية تنتهض سببا للعقاب، لما قلنا من الإيهام، بخلاف ما لو قاله على التشبيه فإنه كافر ، وقيل: يكفر بمجرد الإطلاق أيضا وهو حسن، بل هو أولى بالتكفير»[(1080)] اهـ.

(قيل) لاحظ قوله: «بخلاف ما لو قاله على التشبيه فإنه كافر» اهـ، فإنه يدلنا على أنه يرجع ذلك إلى فهم القائل لا قصده .

ربما يؤكد هذا قوله بعد أن أنجز الكلام على مسئلة عدم جواز الصلاة خلف المبتدع الذي وصل إلى الكفر، ونصه: «بخلاف مطلق اسم الجسم مع نفي التشبيه فإنه يكفر، لاختياره إطلاق ما هو موهم للنقص بعد علمه بذلك، ولو نفى التشبيه، فلم يبق منه إلا التساهل والاستخفاف بذلك»[(1081)] اهـ.

لاحظ قوله: « بعد علمه بذلك، ولو نفى التشبيه» اهـ، فإنه كالنص في بيان هذا الذي نحن فيه.

أما التشكيك بنقل العلماء عن مشاهير المشبهة، هل قالوا ما ينقل عنهم أم لا، فهو دوران ومرواغة لا تنفع، فإما أن يقول هذا المراوغ: إن القائل بالتركيب والحجم في حق الله كافر أيا كان قائله، وإن مات على ذلك فهو مخلد في نار جهنم، وإما أن يعاند ويجاهر بأنه ليس كذلك، وهو هلاك وكفر، والعياذ بالله تعالى.

ولا يجوز أن يكون المسلم في دينه مذبذبا تائها، لا يميز المسلم من غيره، وإلا خلط الإيمان بالكفر، وأدخل في دائرة الإيمان من رد قول الله سبحانه وتعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ… *} [(1082)]، فما أجرأهم على التقول على الله وعلى دينه، والله أعلم بمكرهم، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ *} [(1083)].

وإذا تبين ذلك كله تلخص : أنه لا بد من التحذير من إطلاق بعض المنتسبين للعلم ترك تكفير أهل الأهواء، وهو كلام مردود، وقد تقدم أنه ثبت عن الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل تكفير بعض أهل الأهواء. وربما يناسب تلخيص بعضا مما نقلناه لك قبل، أما أحمد بن حنبل فقال: «من قال الله جسم لا كالأجسام كفر»، وأما الشافعي فقال «لا يكفّر أهل القبلة» واستثنى المجسم. ذكره السيوطي في «الأشباه والنظائر»[(1084)].

والنووي كفر المجسم في «شرح المهذب»[(1085)]، وكفر الشافعي القدري أي المعتزلي، والقائل بخلق القرءان الذي هو مذهب المعتزلة الذين يقولون: الله ليس له كلام إلا ما يخلقه في غيره. نقل ذلك صاحب البيان العمراني اليمنيّ وهو قبل النووي.

وقال مالك: أرى أن يستتاب أهل الأهواء، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم.اهـ وهذا صحيح ثابت عنه، رواه عنه الإمام المجتهد أبو بكر بن المنذر في كتابه «الأوسط» وفي كتابه «الإشراف».

وكذلك قال كمال بن الهمام الحنفي في «فتح القدير»: «المجسم القائل جسم لا كالأجسام كافر» اهـ.

وقد تقدم أنه لا حجة في قول الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية. وأنه محمول على من لم يصل منهم إلى الكفر، أي لم تثبت عليه قضية معينة تقتضي كفره، هذا هو محمل كلام الشافعي كما قال الحافظ سراج الدين البلقيني الشافعي في كتابه «حواشي الروضة».

بل قدمنا التحذير من الأخذ بما ينسب لبعض المتأخرين من الشافعية، كعز الدين بن عبد السلام والغزالي والرازي وغيرهم في أمر تكفير المجسم والجهوي، وبينا وجه التناقض فيما ينقل عنهم، واستشهدنا على ذلك بكلامهم وتنبيه بعض العلماء على عدم صحة هذه الأقوال أو النقول عنهم، خاصة وأن كلامهم خالف كلام الشافعي فلا يعتد به. والعبرة بكلام الإمام ومن وافقه من المنتسبين إليه كأبي حامد المروزي، إمام أصحاب الشافعي المراوزة، والإمام أبي منصور البغدادي، فإنه قال: «يجب تكفير كل زعيم من زعماء المعتزلة ». يعني بذلك أن المنتسبين إلى الاعتزال منهم من لا يعتقد مقالاتهم الكفرية، إنما يعتقد بعض مقالاتهم التي ليست كفرًا، فإن منهم من لا يرى بعض أصول عقائدهم وهو منتسب إليهم، فإن المعتزلة لهم مقالات كفرية ومقالات دون الكفر مع كونها ضلالة وبدعة، وقد ذكرتُ قبل هذا في موضع من هذه الرسالة ما قاله الإمام عبد القاهر بن طاهر البغدادي في كتابه «تفسير الأسماء والصفات»[(1086)] وهو قوله: «فأما أصحابنا فإنهم وإن أجمعوا على تكفير المعتزلة والغلاة من الخوارج والنجارية والجهمية والمشبهة، فقد أجازوا لعامة المسلمين معاملتهم في عقود البياعات، والإجارات والرهون وسائر المعاوضات دون الأنكحة، فأما مناكحتهم، وموارثتهم والصلاة عليهم وأكل ذبائحهم فلا يحل شىء من ذلك، إلا الموارثة ففيها خلاف بين أصحابنا » انتهى.

وبهذا يعلم أن ما ذكر في كتاب «روضة الطالبين» للنووي من ترك تكفيرهم، وصحة الاقتداء بهم، خلاف ما ذكره المتقدمون من أصحاب الشافعي.

ومثل هذا ما هو مذكور في كتاب «الاقتصاد في الاعتقاد» المنسوب للغزالي ، من عدم تكفير أهل الأهواء على الإطلاق فإنه باطل، مخالف لقول الإمام الشافعي وسائر الأئمة الأربعة وغيرهم رضي الله عنهم.

وحكى القاضي عياض في «الشفا” عن الجاحظ وثمامة المعتزليين أنهما قالا: «إن كثيرًا من العامة والنساء والبُله، ومقلدة النصارى واليهود وغيرهم لا حجة لله عليهم، إذ لم تكن لهم طباع يمكن معها الاستدلال. وقائل هذا كله كافر بالإجماع على كفر من لم يكفر أحدًا من النصارى واليهود، وكل من فارق دين المسلمين، أو وقف في تكفيرهم أو شك. قال القاضي أبو بكر: لأن التوقيف والإجماع اتفقا على كفرهم، فمن وقف في ذلك فقد كذب النص، والتوقيف، أو شك فيه، والتكذيب أو الشك فيه لا يقع إلا من كافر»[(1087)] اهـ.

ـ[1005]  كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد: (ص/58 – 59)، الطبعة الأولى، مؤسسة الكتب الثقافية.

ـ[1006]  العقيدة النظامية (ص/).

ـ[1007]  كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلة: (ص/59).

ـ[1008]  كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلة (ص/59).

ـ[1009]  كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلة (ص/60).

ـ[1010]  يقال: رجل عبل إذا كان غليظا، وكذلك كل غليظ من الدواب والمصدر العبالة والعبولة، وألقى فلان على فلان عبالته أي ثقله، يراجع: جمهرة اللغة (1/366).

ـ[1011]  كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلة (ص/61 – 62).

ـ[1012]  الشامل في أصول الدين (ص/221 – 225)، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1420هـ – 1999 .

ـ[1013]  المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب، لأحمد بن يحيى الونشريسي (2/382 – 385)، دار الغرب الإسلامي بيروت.

ـ[1014]  أضواء البيان (2/18).

ـ[1015]  البرهان المؤيد (ص/14).

ـ[1016]  التفسير الكبير (7/113 – 114).

ـ[1017]  التفسير الكبير (13/69).

ـ[1018]  التفسير الكبير (16/24).

ـ[1019]  معالم أصول الدين (ص/137) المسألة العشرون المختار عندنا أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة إلا بدليل منفصل.

ـ[1020]  الفقيه والمتفقه (2/331 – 332)، باب ذكر شروط من يصلح للفتوى.

ـ[1021]  المنهج القويم لابن حجر الهيتمي (ص/294)، فصل في صلاة النفل.

ـ[1022]  تشنيف المسامع شرح جمع الجوامع (4/648). تأليف: الإمام بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي المتوفى 794هـ، دراسة وتحقيق الدكتور سيد عبد العزيز والدكتور عبد الله ربيع، المدرسان بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، مكتبة قرطبة للبحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي القاهرة، توزيع المكتبة المكية مكة المكرمة.

ـ[1023]  الفتاوى الحديثية، لابن حجر الهيتمي (ص/111).

ـ[1024]  المجموع شرح المهذب (4/253)، ونصه: «فممن يكفر من يجسم تجسيما صريحا» اهـ.

ـ[1025]  سورة الشورى: 11 .

ـ[1026]  كفاية الأخيار، لتقي الدين الحصني (ص/495).

ـ[1027]  السراج الوهاج ..، وهو من تلاميذ ناصر الدين البيضاوي، وهو من مشايخ العضد الإيجي والشيخ الأردبيلي.

ـ[1028]  إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدّين (2/6 – 7).

ـ[1029]  بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس (1/51).

ـ[1030]  حاشية الرملي (1/219).

ـ[1031]  الفقه الأبسط، ضمن مجموعة رسائل أبي حنيفة بتحقيق الكوثري (ص/12)، وشرح الفقه الأكبر لملا علي القاري (ص/171)، والبرهان المؤيد للإمام أحمد الرفاعي (ص/18)، ودفع شبه من شبه وتمرد لتقي الدين الحصني (ص/18).

ـ[1032]  مقالات الكوثري (ص/261).

ـ[1033]  مناهل العرفان في علوم القرآن (2/209 – 211).

ـ[1034]  أصول الدين لأبي منصور البغدادي (ص/361).

ـ[1035]  الأسماء والصفات لأبي منصور البغدادي (ص/).

ـ[1036]  رواه ابن فورك في مشكل الحديث وبيانه (1/102)، ذكر خبر آخر في مثل هذا المعنى مما ذكر في خلق آدم عليه السلام.

ـ[1037]  أخرجه مسلم في صحيحه (4/2045)، (2654)، كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء.

ـ[1038]  إلجام العوام عن علم الكلام (ص/62 – 63)، من مجموعة رسائل الغزالي.

ـ[1039]  المختار من لحن العامة والخاصة في المعتقدات (ص/57 – 58) لأبي علي عمر بن محمد السكوني المالكي نزيل تونس المتوفى سنة 717هـ.

ـ[1040]  الظاهر أن وجه الخلاف في ذلك لجهة ما تقدم من عدم فهم بعض أتباع بعض أهل البدع لتلك العبارات الفاسدة لا أن ذلك مطلق، وذلك من باب التخوف من الحكم بالردة والكفر على من نطق بتلك الكلمات وهو غير فاهم لمعناها أو يظن أنها ترد في لسان العرب بمعنيين أحدهما غير كفر، كما مر في الأمثلة السابقة من نحو ظن بعضهم أنه يطلق على الله لفظ جسم بمعنى موجود أو أنه في جهة فوق بمعنى أنه عالي القدر، وإن كان كلامهم غير صحيح.

ـ[1041]  قال الشيخان عبد الكريم التتان ومحمد أديب كيلاني في شرحهما على جوهرة التوحيد: « وقد كفَّر العراقي وغيره مثبت الجهة لله تعالى وهو واضح، لأن معتقد الجهة لا يمكنه إلا أن يعتقد التحيز والجسمية، وإن قال غير ذلك فهو قول متناقض » اهـ.

ـ[1042]  أي لكونه لا يفهم ذلك المعنى الفاسد، لا أن ذلك مطلق في كل حال، على ما مر في كلام الجويني والمتولي والباقلاني والغزالي.

ـ[1043]  استحالة المعية بالذات وما يضاهيها من متشابه الصفات للمحدث الشيخ محمد الخضر بن ماياني الجكني نسبا الشنقيطي إقليما المدني مهاجرا (ص/376).

ـ[1044]  الفتاوى الحديثية، لابن حجر الهيتمي (ص/82).

ـ[1045]  تفسير القرطبي (12/256).

ـ[1046]  دفع شبه من شبه وتمرد (ص/7).

ـ[1047]  سورة الملك، الآية: 10 .

ـ[1048]  سورة الشعراء، الآية: 227 .

ـ[1049]  إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات (ص/165 – 166).

ـ[1050]  إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات (ص/175 – 176).

ـ[1051]  الفقه على المذاهب الأربعة (4/201 – 202).

ـ[1052]  أصول الدين (ص/363)، المسألة الرابعة عشر: في أنكحة أهل الأهواء وذبائحهم ومواريثهم.

ـ[1053]  الشامل في أصول الدين (ص/132)، تأليف إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي المتوفى سنة 478هـ، وضع حواشيه عبد الله محمود محمد عمر، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية بيروت – لبنان.

ـ[1054]  المرجع السابق (ص/208).

ـ[1055]  عَبُل عبالة: ضخم وابيض وغلظ.

ـ[1056]  المرجع السابق (ص/212).

ـ[1057]  سورة القمر: 52 .

ـ[1058]  سورة القمر: 49 .

ـ[1059]  المرجع السابق (ص/212).

ـ[1060]  لسان الميزان (5/354).

ـ[1061]  سورة الأنعام: جزء من الآية 19 .

ـ[1062]  سورة الأعراف: 180 .

ـ[1063]  شعب الإيمان (1/137 – 138).

ـ[1064]  أبكار الأفكار في أصول الدين (ص/447)، تأليف الإمام أبي ا لحسن علي بن محمد بن سالم المعروف بسيف الدين الآمدي المتوفى 631هـ، حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه أحمد فريد المزيدي، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان.

ـ[1065]  سورة الأنعام: 19 .

ـ[1066]  الفصل في الملل (2/93).

ـ[1067]  نجم المهتدي ورجم المعتدي (ص/544) مخطوط.

ـ[1068]  مجموعة الحواشي البهية على شرح العقائد النسفية المجلد الثالث وفيه الجزءان الثالث والرابع (ص/155).

ـ[1069]  كما بين الطحاوي في عقيدته: «ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر» اهـ، وقد تقدم الكلام عليها في غير موضع.

ـ[1070]  مناهل العرفان في علوم القرآن (2/209 – 211).

ـ[1071]  إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات (ص/34).

ـ[1072]  إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات (ص/39 – 40).

ـ[1073]  نجم المهتدي ورجم المعتدي (ص/588) مخطوط.

ـ[1074]  مختصر الإفادات (ص/489).

ـ[1075]  إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات (ص/132).

ـ[1076]  الإشراف (3/260).

ـ[1077]  تشنيف المسامع شرح جمع الجوامع (4/648). تأليف: الإمام بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي المتوفى 794هـ، دراسة وتحقيق الدكتور سيد عبد العزيز والدكتور عبد الله ربيع، المدرسان بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، مكتبة قرطبة للبحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي القاهرة، توزيع المكتبة المكية مكة المكرمة.

ـ[1078]  إشارات المرام من عبارات الإمام أبي حنيفة النعمان في أصول الدين (ص/168).

ـ[1079]  شرح فتح القدير (1/350).

ـ[1080]  شرح فتح القدير (1/351).

ـ[1081]  سورة الشورى: 11 .

ـ[1082]  سورة فاطر: 10 .

ـ[1083]  الأشباه والنظائر (ص/598).

ـ[1084]  المجموع: (4/253).

ـ[1085]  تفسير الأسماء والصفات (ص/228).

ـ[1086]  الشفا بتعريف حقوق المصطفى: (2/280 – 281)، فصل في تحقيق القول في إكفار المتأولين.

ـ[1087]  رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (4/108)، كتاب الأحكام، والبيهقي في سننه الكبرى (6/95)، باب نصر المظلوم والأخذ على يد الظالم عند الإمكان.

التمايز بين المسلم المنـزه والمشبه المجسم الجهوي

الحق أحق أن يُتبع

الدعاء لي ولوالديا بالخير بارك الله فيكم