بيان أنَّ الله واحد لا مِن طريق العدد

بيان أنَّ الله واحد لا مِن طريق العدد

وإنَّما مِن طريق أنَّه لا شريك له

والرَّدُّ على الوهَّابيِّ دمشقيَّة الَّذي شبَّه الله بخلقه

الحمدلله وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله.

1

وبعدُ قال تعالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ويُؤخذ مِن الآية دليلُ التَّمانُع؛ بأنْ نقول: لو جاز إلهانِ اثنانِ لجاز بينهما تمانُع؛ فمَن كان عاجزًا عن إنفاذ مشيئته لم يكُن إلهًا؛ فثبت أنَّ الله واحد لا شريك له.

2

وقال تعالَى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ} أي الوصف الَّذي لا يُوصف به غيرُه؛ فصفة (الواحد) في حقِّ المخلوق تُفيد العدد، وأمَّا الله تعالَى فهُو مُنَزَّهٌ أنْ يكون معدودًا فهُو تعالَى كما وصف نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.

3

فيجب الإيمان بأنَّ وَحدانيَّة الله لا تتعلَّق بالعدد، قال أبو حنيفة في [الفقه الأكبر]: <وَاللهُ تَعَالَى وَاحِدٌ لا مِنْ طَرِيقِ العَدَدِ وَلَكِنْ مِنْ طَرِيقِ أَنَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ> انتهَى وعلى هذا سائر عُلماء أهل السُّنَّة والجماعة.

4

فالله تعالَى وُجودُه ووَحدانيَّتُه لا كوُجود ووَحدانيَّة أحد مِن خلقه سُبحانه وتعالَى عمَّا يقول الظَّالمون عُلُوًّا كبيرًا فمَن وصفه بالعدد فقد جعل له مِن خلقه أشباهًا وأندادًا لا تُعَدُّ ولا تُحصَى والعياذ بالله تعالَى.

5

فإنْ قال وهَّابيٌّ: إنْ كان الله واحدًا لا مِن طريق العدد فمِن أي طريق هُو واحد؟ فقُل: هُو تعالَى واحد مِن طريق أنَّه لا شريك له في الإِلَهِيَّة لأنَّ اتِّصاف الله بالوَحدانيَّة ليس كاتِّصاف أحد مِن الخلق بها.

6

وإنْ زعم وهابيٌّ أنَّ صفة الواحد لا تكون إلَّا في العدد فيُقال له: إنَّ بعض شُعراء الجاهليَّة لمَّا أراد مدح رَجُل مِن أهل الكرم والسَّخاء قال فيه:

يا واحد العرب الَّذي * ما في الأنام له نظير

7

فالواحد -في هذا الشِّعر- لم تدُلَّ على عدد بل جاءت بمعنَى أنَّه لا يُشاركُه أحد في كرمه وسخائه، ولو كان المُراد بالواحد في الشِّعر المذكور العدد لَمَا كان في قوله: (يا واحد العرب) مدح لذلك الرَّجُل الكريم.

8

وقال بعض الوهَّابيَّة: كيف تستدلُّون بالصَّحيفة السَّجاديَّة وفيها وصف الله تعالَى بوَحدانيَّة العدد! وهذا السُّؤال مِن الوهَّابيِّ المذكور؛ فيه مِن الخيانة والغَشِّ والتَّدليس ما فيه ونقول في الجواب على سُؤاله ما يلي:

9

إنَّنا نستدلُّ بما نقله الحافظ الزَّبيديُّ بالسَّند المُتَّصل مِن الصَّحيفة السَّجَّاديَّة وليس فيما نقله منها وصف الله بوَحدانية العدد؛ وإنَّما تُوجد تلك العبارة في نُسَخ أهل البِدَع والأهواء فتبيَّنِ الفَرقَ وكُفَّ عن خداع النَّاس.

10

وأمَّا الوهَّابيَّة فقد جعلوا الله معدودًا والعياذ بالله وحملوا صفة الواحد في حقِّه تعالَى كما يحملونها في حقِّ المخلوق! وما ذلك إلَّا لأنَّهُم أُشرِبُوا في قُلوبهمُ التَّشبيه والوثنيَّة كما أُشرب أسلافُهُم في قُلُوبهم حُبَّ العِجل.

أضف تعليق